مشروعيّة السجود على التربة الحسينيّة من صحيحيْ البخاريّ ومسلم:
❓:السؤال:
شيخنا الفاضل السلام عليكم.
هل لكم ان ترسلوا لنا مما لديكم حول موضوع التربة الحسينية في صحيح البخاري ومسلم وهل من سبيل لإثبات ذلك من هذين الصحيحين؟
ونستسمحكم بأخذ الوقت منكم
جزيتم خيراً.
💠: الجواب:
بسمه تعالى إسمه.
الحمد لله ربّ العالمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأمّا ما سألتَ عنه فالجواب بعون الله تعالى يحتوي على بضع مقدمات وإليكَها:
الأولى:
أن السجود على التربة أو الحصير مما قامت عليه سيرة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وعلى آله) وأصحابه وعترته الطاهرة العصيمة (عليهم صلوات الله تعالى أجمعين) وهذا ما نصّ عليه العامة والخاصة. فروى البخاريّ في صحيحه (المجلد : ١ – الصفحة ١٤٩ – الحديث ١ ، ٢ – الصفحة ١٩٠ – الحديث ٩٨) ومثله مسلم في صحيحه (المجلد ٢ – الصفحة ٦٣) وغيرهما من الصحاح والكتب الأصول كالترمذي والنسائي وأبي داود وأحمد بن حنبل في سننهم ومسانيدهم عن الرسول الأكرم (صلى الله وعليه وعلى آله) ما لفظه :《جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً》 فالمستفاد منه جواز السجود على التراب والإرشاد إليه بمقتضى تدليله (عليه وعلى آله الصلاة والسلام) عليه بلفظ 《مسجداً》 وإلّا فلم تجدر الإشارة إلى ذلك.
وبتعبير آخر؛ إن قوله (صلى الله عليه وعلى آله) دالّ بأظهر المداليل على وجود خصوصية في التربة حيث إنها جُعلت محلاً للسجود الذي يتجلى أبرز مظاهر تواضع وخضوع العبد أمام مولاه وهو الله (سبحانه وتعالى) به.
ومن هنا ذهب بعض أعمدة الفتيا إلى عدم جوازه لغيره (تعالى ذكره) وإن كان لغير غرض العبادة وهو الحقّ. والعلم عند الله تعالى.
ويستفاد منه أيضاً؛ جواز التيمم بالتراب بدلالة لفظ 《وطهوراً》.
ولا يهمنا البحث عن شأنه في ما نحن فيه.
هذا بخصوص أصل إباحة بل استحباب السجود على التراب الأرضيّ المتفق عليه بين العامة والخاصة ولا ينكره إلا مكابر وذو لجاجة وعناد.
الثانية:
وأمّا ما يتعلّق بالسجود على التربة الحسينية المباركة فلا يمكن الاستدلال عليه بالاقتصار على كتابي صحيح البخاري ومسلم وإنمّا هو متوقّف على الاستدلال التركيبيّ المستعين من الصحيحين وغيرهما لإثبات رجحان السجود على التربة الحسينية لميزة فيها وإليك تقريبه:
تواترت الأخبار عند العامة -فضلاً عن الخاصة- باحتواء التربة الحسينية أعني: تربة أرض كربلاء على خصوصيةٍ خصيلةٍ ركينةٍ لم يشتمل عليها غيرها من الأتربة وهذا يدلّنا -بعد ثبوت جواز السجود على التراب ورجحانه واستحبابه وهو قضية المقدمة الأولى كما عرفت- بدلالة عقلائية على اختيار هذه التربة وأرجحيتها على غيرها حين السجود على التراب. وأنت خبير بأن اختيار الأفضل الأكمل الأرجح مما حكم به العقل الخالي من شوائب الأوهام وتعصبات الأقوام.
فروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين (المجلد ٤ – الصفحة ٣٩٨) عن أمّ سلمة (رضوان الله تعالى عليها) وقالت: 《إنّ رسول الله اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر، ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها، فقلت ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبرئيل (عليه السلام) أن هذا يقتل بأرض العراق للحسين، فقلت لجبرئيل أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها》.
وقال الحاكم النيسابوري: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين (البخاريّ ومسلم) ولم يخرجاه.
ومثله ما أورده إبن أعثم الكوفيّ الكنديّ الكوفي المتوفى نحو سنة ٣١٤ الهجريّ -في القرن الرابع- وهو أقدم من البخاريّ ومسلم والحاكم فقد روى أخباراً تنص بصراحتها على حرمة هذه التربة القدّيسة وعظم شأنها لدى الخاتم (صلوات الله عليه وعلى آله) فروى (في الفتوح – المجلد الثالث – الصفحة ٣٢٥) عن أم الفضل بنت الحارث إمرأة العباس بن عبدالمطلب أنها قالت: 《رأيت في منامي رؤيا هالتني وأفزعتني..إلى قولها عن النبيّ (صلى الله عليه وعلى آله): نعم يا أم الفضل! أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا بشط الفرات وقد أتاني بتربة حمراء》.
وروى ما يقربه مضموناً عن أم سلمة أيضاً. فراجع.
وهذا ما يشعر إلى كون التربة الحسينية الكربلائية متضمنة لحرمة وميزة وشرف خاص خصّصه الله تعالى به دون غيرها.
وبعد ثبوت هذه الخصال كلّها فأيّ شيء يمنع المخالف من اختيار تربة قبّلها النبيّ (صلى الله عليه وعلى آله) واحترمها وبكى عليها تعظيماً لحقها وما فيها من الإعلام بمقتل سيد من سيديْ شباب أهل الجنة (عليهما السلام) وعظّم شأنها وعرّف سموّ مقامها لزوجته وزوجة عمّه باعتبارهما من أبرز الشخصيات النسائية في وسط الاجتماع النسائي الإسلامي آنذاك والمقصود إيصال هذه الفكرة ذات الأهمية إلى بقية آحاد المسلمين والاطلاع على قداسة هذه التربة المقدسة والإرشاد إلى تعظيمها وتقديسها وإعلاء مقامها دون الأتربة.
فبهذا الاستدلال المركبّ ينقدح لك الأرجحية للسجود على الأرض (التراب) -لولا الالتزام بتعيّنه- وأرجحية السجود على التربة الحسينية المباركة في مقام الترجيح الأوّل واستحبابه وذلك للتأسّي بشخصية النبيّ الأكرم (صلوات الله عليه وعلى آله) بخصوص تعظيم هذه التربة.
وأيّ شكّ في كون السجود على هذه التربة واختيارها دون غيرها من مصاديق التعظيم والإجلال.
ولكن إثبات ذلك من كتابي البخاري ومسلم اقتصاراً عليهما وكتفاءاً بهما ففيه تعسّف ظاهر وتمنٍّ جاهر.
ولا يخفى عليك؛ أن الاستدلال المركّب المذكور هو على نحو التركيب الانضماميّ لا الاتحاديّ كي يُلتزم بلزوم تركّب مسجد المصلّي من جزئَيْ التراب والحسينيّ الكربلائيّ منه.
نعم يظهر استحباب ذلك باعتبار كونه اكمل أفراد السجود على الأرض. فتامّل جيّداً.
(ذلك بحث يختص بعلم أصول الفقه)
والله هو العالم.
ودمتم بخير وسداد.
بلِّغوا أحرّ سلامنا لجميع أحبتنا.
✍: وَكَتَبَهُ الْأَقَلُّ:
مَاهِرٌ الْفَرْحَاْنِيُّ الْصَّيْمَرِيُّ
٣٠/ربيع الثاني/١٤٤٠
قمِ المقدّسة