◾فاطمة المعصومة (صلوات الله تعالی علیها) بین الشهادة والوفاة◾
️بقلم: ماهر الصّيمريّ
بسم الله الرحمن الرحیم.
والحمد لله ربّ الخلائق أجمعین وصلوات ربي علی محمّد وأهله الأطهرین.
عظّم الله أجورکم بذکری شهادة کفیلة شفاعتنا السیدة فاطمة المعصومة (روحي لمضجعها الشریف الفداء).
وأمّا بعد؛ فقد سئلنا غیرُ واحد من الإخوة المؤمنین (أیّدهم الله تعالی) حول ما یختص بأمر کیفیة وفاة مولاتنا السیدة المعصومة (سلام الله علیها) وأنها هل توفّیت حتف أنفها أم استشهدت؟⁉️وما هو التعبیر الصحیح بخصوص وفاتها؟
فنری البعض یعبّر عن ذلك بـ”الوفاة” ویعبّر الآخرون بـ”رحلت شهادتگونه” ویمضي آخرون علی تعبیر “الشهادة” والأخیر هو الصحیح من التعابیر الآنفة الذکر وستقف علی البرهنة والاستدلال إن شاء الله تعالی.
الأسلوب المطلوب والمنهج المنطقي المختار لدینا یحفزنا إلی الاستدلال علی بعض المبادئ ببراهین عقلیة ومن ثم بأدلة نقلیة کي یلتزم کل من أصحاب المسلکین بمسلکه المختار لدیه والله وليّ اللطف والإعانة.
فما ذهبنا إلیه أنّ مولاتنا فاطمة المعصومة (سلام الله علیها) قد نالت مقام الشهادة وسنثبت ذلك بالعقل والنقل إن شاء الباري تعالی ذکره.
۱️⃣): الأول: الدلیل العقلي:ویحتوي الدلیل العقلي علی بضع مقدمات لابدّ من الاطلاع علیها ولولاها لم یتمّ الاستدلال وفهم المراد.
المقدمة الأولی: أن العصمة ثابتة باسقلال العقل والنقل لأهل البیت (علیهم السلام) وهي قضیة بعض المستقلات العقلیة وغیرها أعني غیر المستقلات العقلیة والأحادیث الثابتة بالتواتر وغیره ولا یسع هذا المختصر شرح ذکرها.
المقدمة الثانیة: أنّ ظاهر بعض الأخبار عدم اختصاص مقام العصمة بالأنبیاء وأربعة عشر معصوماً (علیهم السلام) ویمکن لغیرهم أن ینال هذا المقام العظیم طولاً وبدیهيٌّ أنه لا یستقیم لغیرهم (علیهم السلام) عرضاً فذلك مختصٌّ بهم (صلوات الله تعالی علیهم) وهذا مستفاد ممّا رُوینا صحیحاً عن مولانا الصادق (علیه السلام) في سؤال عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق (علیهما السلام) فقلت: الملائکة أفضل أم بنو آدم؟ فقال (علیه السلام): 《قال أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السلام): إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ رَكَّبَ فِي المَلائِكَةِ عَقلاً بِلا شَهوَةٍ ورَكَّبَ فِي البَهائِمِ شَهوَةً بِلا عَقلٍ ورَكَّبَ في بَني آدَمَ كِلَيهِما فَمَن غَلَبَ عَقلُهُ شَهوَتَهُ فَهُوَ خَيرٌ مِنَ المَلائِكَةِ ومَن غَلَبَت شَهوَتُهُ عَقلَهُ فَهُوَ شَرٌّ مِنَ البَهائِمِ》.
(علل الشرائع : ج ١ : ص ٣٩ : باب ٦ : ح ١)والاستدلال بالروایة الشریفة بالوجه الآتي:
أن عنوان “بني آدم” باعتباره لفظاً عاماً فبقضیة عمومه یشمل جمیع البشر من وُلد آدم (علیه السلام) وأن إبن أدم بحسب الخبر یمکنه أن یکون أفضل من الملائکة، فکیف یصیر الإنسان خیراً من ملائکة الربّ تعالی المعصومین بإطلاق القول ومن جمیع الجهات ولا یصل إلی مرتبة العصمة التي إحدی خصائص الملائکة⁉️
نعم لا یخفی علیك؛ أن الاستدلال لا یخلو عن إشکالات واعلم أنّ لکلّ منها جواباً قد فصّلنا القول في رسالتنا في خصوص العصمة ومراتبها.
وعلی أيّ تقدیر فالنتیجة أن غیر المعصومین (علیهم السلام) یمکنهم أن یصلوا إلی مرتبة العصمة غیر أن هناك فروقاً بین عصمة الأنبیاء والأربعة عشر معصوماً (علیهم السلام) وهي:
⭕أ): العصمة الثابتة لغیرهم (علیهم السلام) هي في طول عصمتهم ولیست في عرضها وعصمةً مستقلة أمام عصمتهم (علیهم السلام).
⭕بـ): عصمة الأنبیاء وأهل البیت (علیهم السلام) ثابتة بالعقل والنقل خلافاً لعصمة غیرهم فإنها تحتاج إلی الإثبات بالنقل المأثور من المعصومین (علیهم السلام) فقط ولا دلیل من العقل قائم علی ذلك فلا يثبت مقام العصمة إلا لمن شهد بحقه المعصوم من الأنبیاء أو الأربعة عشر المعصومین (علیهم السلام) فإن ثبتت بنص لشخص هذه المرتبة القُدسیّة فمعصوم وإلا فالاختصاص یبقی علی حاله.
وإن شئت فقل: لا عصمة لغیر الأنبیاء والأربعة عشر معصوماً (علیهم السلام) إلا من ثبت دخوله تحت عموم الوصول إلی هذا المقام بشهادة أحدهم (علیهم السلام).
والأمر في ذلك يرجع إلی أمر النبوة والإمامة وملزومات نبوة وإمامة وحجیّة حجج الله تعالی.
⭕تـ):اعلم أنّه نُقِل عن بعض الأصحاب هذا الفرق وإن کنا لا نلتزم به کلامیّاً وهو أن عصمة الأنبیاء والأربعة عشر (عليهم السلام) عصمة واجبة لازمة وأن عصمة غیرهم غیر واجبة بل تفضلیّة لطفیّة وأراد بذلك أن المعصوم بالعصمة الواجبة لا یذنب ولا ینسی ولا یخطأ ولا یسهو بخلاف المعصوم بالعصمة التفضلیّة فهو معصوم عن الذنوب فحسب وأمّا الخطأ والنسیان والسهو فکل أولئك ممکن بحقه.
“وذلك ما أفاده سماحة السید الشهید محمد الصّدر (رضوان الله علیه)”نعم التقسیم مقبول عندنا غیر أنّ استفادة الفرق منه لیس في محلّه والتفصیل في محلّه.
⭕ثـ): أن العصمة الثابتة للأنبیاء وأهل البیت (علیهم السلام) ثابتة بذواتهم المقدّسة منذ الولادة وأن العصمة لغیرهم قد حصلت لهم بالتدریج شیئاً فشیئاً بممارسات ملزمات الشریعة ومنبغیات الدین الأقدس.
⭕جـ): أن العصمة الثابتة للأنبیاء وأهل البیت (علیهم السلام) کليّ متواطئ بینما العصمة الثابتة لغیرهم أمر مشکّك ذو مراتب بشدة وضعف.
المقدمة الثالثة: أنه قد عثرنا علی نصوص وصلتنا عن أهل البیت (علیهم السلام) تدلّ علی عصمة بعض من ترعرع في حجورهم القدّیسة ونیله لهذه المرتبة العالیة کمولانا أبي الفضل العباس وعلي بن الحسین -الملّقب بالأکبر تقیةً- والسیدة زینب بنت علي والسیدة فاطمة المعصومة (علیهم الصلاة والسلام) ولکل منهم دلائل وأمارات دالة علی عصمتهم والذي یعنینا الآن هو أمر السیدة فاطمة المعصومة (سلام الله علیها) فهي معصومة حسب ما وصلنا من النقل عنهم بحقّها (علیهم السلام) کأخبار الصادق (علیه السلام) بعظم شأنها والخبرين المرويین عن الرضا (علیه السلام) وتلقیبه إیاها بـ”المعصومة” وأن الزائر العارف بحقها یجب علیه الجنة وتولّي دفنها بید الرضا والجواد (علیهما السلام) والبداهة تدلك علی أنه لو لم تکن السیدة فاطمة المعصومة (سلام الله علیها) معصومة لما تمّ کل ذلك بحقها العظیم وهي معصومة بالعصمة الصغری المقتبسة من عصمةٍ کبراها ثابتة لأهل البیت (علیهم السلام) ولولا تلك الفروق لقلنا بالکبری لها (سلام الله علیها).
المقدمة الرابعة: أنه حسب ما ذهبنا إلیه في ترتیب القواعد الکلامیّة من کون المعصوم من أيّ قسمٍ کان وفي أي مرتبة کان لابدّ من أن یتوفّر فیه جمیع الصفات الکمالیة والمراتب العالیة بأکمل مصادیقها کالعلم والکرم والشجاعة والصدق وغیرها وأنه جامع لجمیعها بلا شك. ومن جملة هذه الصفات الکمالیة هي صفة الشهادة ونیل مقامها والمعصوم قد یحصل علی هذه الصفة الکمالیة باعتبارها الموت الأفضل فأنت خبیر بأن الشهادة في سبیل الله تعالی هو أفضل موت اختاره الله تعالی لعباده ولا یرزقه إلّا لخاصة أولیائه. فتدبّر جیّداً.
النتیجة: أن حسب ما عرفتَ أن السیدة فاطمة المعصومة (روحي لقبتها الشریفة الفداء) قد نالت أعلی مراتب العصمة والشاهد بذلك ما نقل عن الذوات المقدّسة (علیهم السلام) بحقّها والتي نالت مقام العصمة فقد بلغت من الکمال إلی مرتبة جُمعت فیها جمیع صفات الکمال ومراتب التعالي ومنها صفة الشهادة وتمیّزت بها عن غیرها بنیلها لهذا المقام وهو مقام الشهادة.فبهذا الدلیل العقلي قد عرفتَ أنّ کفیلتنا السیدة فاطمة المعصومة (سلام الله علیها) استشهدت وهو القدر المتیقّن من کیفیّة مماتها (روحي لمصیبتها الفداء).
۲️⃣): الدلیل النقلي:وهو یحتوي علی نقل وقرینة تأریخیین وکلاهما منقولان عن المؤرّخ الشهیر أبي مخنف لوط بن یحیی الأزدي -وهو من مؤرخي القرن الثاني- بما يعني کیفیّة ممات السیدة المعصومة (علیها السلام) في کتاب بحر الأنساب بترجمة السید مرتضی علم الهدی الرازي (رحمه الله) حیث قال ما نصّه بالفارسیة:
《امام زادگان بیست و سه نفر بودند که با حضرت فاطمه [معصومه] علیها السلام از بغداد روی به قم نهادند و چون به شهر قم رسیدند ، ملحدان ساوه خبر یافتند و روی به شهر قم نهادند و با امام زادگان درآمدند (جنگیدند) و بسیار محاربه کردند و آخر الامر حضرت فاطمه خاتون را در شهر قم شهید کردند و آن بیست و سه نفر امام زادگان را نیز در شهر قم شهید کردند》 .
(بحر الأنساب : النسخة الخطیة : بالترجمة للسید مرتضی الرازي من علماء الشیعة في القرن الخامس : ص ٩٢).وخبر القتل الجماعيّ لقافلة السیدة المعصومة (سلام الله علیها) منقول أیضاً في کتاب “تأریخ قم” وترجم الکتاب العلامة المجلسیّ الثاني(عطّر الله مضجعه) ضمن تصنیف البحار غیر أنه لم ینقل خبر الشهادة صریحاً بل إنما هو مستفاد من القرائن المحفوفة بالخبر. والعلم عند الله تعالی.
✅وعلی أي حال:أنه لو تمّ لنا الدلیل العقلي فنحن باستغناء عن أدلة نقلیة حتّی یشکّك مشکّك بما نقل في التأریخ.
⚫فهي (سلام الله علیها) شهیدة ولم تمُت حتفَ أنفها والتعبیر بـ”الوفاة” لیوم وفاتها جفاء ومنقصة بشأنها الجامع لهذه الصفة الکمالیة العالیة وهو مقام الشهادة.فسلام علیها یوم وُلدت ویوم استشهدت ویوم تبعث حیّةً.
✍️وكتبها المفتقرُ لنظرة مولاته:مَاْهِرٌ الْفَرْحَاْنِيُّ الْصَّیْمَرِيُّ
یومَ شهادة السیدة المعصومة (علیها السلام)
١٠/ ربیع الثاني /١٤٤٢
قمِ المقدّسة