شرح منهاج الصالحين
– الشيخ حسن العبد الله
شرح منهاج الصالحين – للسيد السيستاني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
و الصلاة و السلام على
خير خلقه محمد و آله
الطيبين الطاهرين الغرّ الميامين .
التقليد
مسألة ۱ : يجب على كل مكلّف لم يبلغ رتبة الاجتهاد أن يكون في جميع عباداته و معاملاته و سائر أفعاله و تروكه مقلّداً أو محتاطاً ، إلا أن يحصل له العلم بأنه لا يلزم من فعله أو تركه مخالفة لحكم إلزامي ولو مثل حرمة التشريع ، أو يكون الحكم من ضروريات الدين أو المذهب – كما في بعض الواجبات و المحرمات و كثير من المستحبات و المباحات – و يُحرز كونه منها بالعلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائية كالشياع و إخبار الخبير المطلّع عليها .
***********
( المكلف ) : كل مسلم عاقل بلغ سن التكليف الشرعي ، وهو من أكمل خمسة عشر سنة هلالية إذا كان ذكراً ، و أكمل تسع سنوات هلالية إذا كان أنثى ، و إذا بلغ هذا السن توجّهت له الخطابات الشرعية ووجب عليه الالتزام بها في جميع مفاصل حياته .
( رتبة الاجتهاد ) هي رتبة علمية يصل إليها المتخصص في علوم الشريعة حسب المدرسة الاسلامية الصحيحة ( مدرسة الثقلين العظيمة ) ، و يكون فيها ذلك المتخصص مؤهلاً لأن يُحدّد الحكم الشرعي و يبينه استناداً إلى الأدلة التي طرحتها مدرسة الثقلين ( القرآن و العترة المطهرة ) .
( عباداته عباداته و معاملاته و سائر أفعاله و تروكه ) العبادات هي الواجبات الشرعية التي يتوقف الحكم بصحتها على أن يأتي بها بقصد التقرّب إلى الله تعالى مثل الصلاة و الصوم والحج
و المعاملات هي أحكام جعلتها الشريعة تأسيساً أو إمضاءً و لم تشترط العمل بها بقصد التقرّب إلى الله تعالى
و الأفعال يقصد بها كل ما طلب الشرع الاتيان به على نحو الوجوب أو الاستحباب بل وحتى المباح و لم يكن من العبادات كتطهير الثياب لما يشترط فيها طهارة الثياب ، و الزيارة للنبي و آله الكرام صلوات الله عليهم أجمعين ، و ما أراد الشرع من الأفعال بحيث يرخي العنان لهم ولا يضيّق عليهم كشرب الماء و فعل سائر المباحات .
و التروك فإنه يقصد منها ما يجب أن يتركه المكلف بسبب تحريم الشريعة له كقطع الرحم و الزنا و ماشابه .
( مقلّداً ) التقليد يتحقق باتباع رأي المرجع حال العمل بالأحكام التي تقدم الحديث عنها .
( محتاطاً ) الاحتياط هو أن يقوم المكلّف بالعمل بالحكم الشرعي ، فإن كان ذلك الحكم لا خلاف فيه من حيث الأجزاء و الشروط و التفاصيل فإنه يعمل به كما هو ، وإن اختلف الفقهاء فيه من حيث الأجزاء و الشروط و التفاصيل فإنه يأخذ بالحكم الأشد و الأصعب من تلك الشروط و الأجزاء و التفاصيل ، و قد يقتضي ذلك تكرار العمل .
فمثلاً : إذا اختلف الفقهاء في قراءة سورة الجمعة و المنافقون في صلاة الظهر من يوم الجمعة فإنه يلزم على المحتاط أن يقرأ تلك السورتين ، و إذا رأينا الفقهاء يختلفون في حكم الربا بين الزوج و زوجته فإنه يتطلب على المحتاط أن يترك أخذ الربا من زوجته .
( إلا أن يحصل له العلم بأنه لا يلزم من فعله أو تركه مخالفة لحكم إلزامي ولو مثل حرمة التشريع )
يشير السيد الماتن إلى أن المحتاط قد يعرف الحكم الشرعي من حيث الأجزاء و الشروط و التفاصيل ولا يوجد به خلاف عند الفقهاء ، إلا أنه يقوم أيضاً بالاحتياط في ذلك الحكم المعلوم ، و ذلك لعلمه بأن الاحتياط لا يترتب عليه مخالفة شرعية ولو كانت تلك المخالفة الشرعية هي التشريع المحرّم .
فلو فرضنا أن القبلة اشتبهت بين أربع جهات و المكلف يتمكّن من تحصيل العلم بالقبلة من غير صعوبة ، إلا أنه أراد العمل بالاحتياط فأتى بالصلاة إلى أربع جهات ، أي كرّرها أربع مرات ، فإن الاتيان بهذه الصلوات الثمان لا يلزم منه التشريع المحرّم ولا أي محذور شرعي آخر .
أو مثلاً : إذا شك المكلف في أن الطلاق هل يجوز أن يكون بالجملة الفعلية كبقية الصيغ بأن يقول : طلّقتك ، أو أنه لا بد أن تكون بالجملة الاسمية بأن يقول : أنت طالق أو زوجتي طالق ، فإنه لا مانع من الجمع بين الصيغتين و يحتاط بالتكرار ، و يحصل له العلم حينئذ بعدم مخالفة هذا التكرار لحكم شرعي ، ولا أنه يستلزم التشريع المحرّم .
( أو يكون الحكم من ضروريات الدين أو المذهب – كما في بعض الواجبات و المحرمات و كثير من المستحبات و المباحات ) الاحتياط إنما يكون في الأحكام غير الضرورية و التي تحتاج إلى يؤمّن الانسان على نفسه من حصول المخالفة الشرعية فيها ، فهو يأتي بما يحتمل وجوبه و يترك ما يحتمل حرمته ، و فعله و تركه إنما لأجل احتمال أن يعاقبه الله على عدم الفعل أو عدم الترك ، فيقول له عقله اترك أو افعل حتى لا تقع في محذور مخالفة أوامر الله تعالى
و هذا غير متحقق في الأحكام الضرورية القطعية واليقينية ، لأن المكلف حينئذ يجزم بعدم العقاب كما في المستحبات التي يقطع بكونها مستحباً في الشريعة كزيارة الحمزة عليه السلام ، أو يجزم بوجود العقاب كما هو الحال بالنسبة لنفس الصلاة و الصوم ، إذ ترك الصلاة و الصوم موجب قطعاً للعقاب .
( و يُحرز كونه منها بالعلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائية كالشياع و إخبار الخبير المطلّع عليها . )
أي يتيقّن المكلف بأن هذا الحكم هو حكم ضروري أو يقيني ثابت في الشريعة كوجوب الصلاة و الصوم و حرمة الزنا و اللواط و استحباب الزواج و هكذا من خلال الآليات المعروفة ، كالعلم الوجداني من خلال النصوص القرآنية ، أو من خلال الأمور التي توجب الاطمئنان بثبوت هذا الحكم الشرعي في الشريعة كالشياع عند المتشرعة و تسالمهم و اتفاقهم جميعاً على ثبوتها كما هو الحال بالنسبة لوجوب الطواف حول الكعبة متياسراً ، أو لإخبار الخبير المطلع على ثبوتها في الشريعة .
مسألة ۲ : عمل غير المجتهد بلا تقليد و لا احتياط باطل ، بمعنى أنه لا يجوز له الاجتزاء به ما لم يعلم بمطابقته للواقع ، إلا أن يحصل له العلم بموافقته لفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً ، او ما هو بحكم العلم بالموافقة كما سيأتي بعض موارده في المسألة الحادية عشرة .
*******************
( باطل ) المقصود بالبطلان هنا عدم ترتيب الأثر على ذلك العمل المأتي به من قبل غير المجتهد إذا لم يكن قد صدر عن تقليد أو احتياط ، فلو عقد عقد نكاح ، و كانت الصيغة التي حصل بها العقد قد كانت باللغة الفارسية مثلاً ، فإنه لا يصح لذلك الشخص غير المجتهد أن يُرتّب آثار العقد الصحيح الذي يترتّب عليه كون المرأة زوجةً له ، ولو أن غير المجتهد قد اكتفى في تطهير موضع خروج البول بالماء مرة واحدة فقط دون أن يغسله مرتين ، فإنه لا يصح له البناء على ترتّب الطهارة بما حصل منه من الغَسْل مرة واحدة ، و لو أنه باع شيئاً مع الشك في صحة البيع لم يجز له التصرّف في المثمن ( السلعة ) كما ليس له التصرّف في الثمن ، .
( بمعنى أنه لا يجوز له الاجتزاء به ) فلا يرتّب الأثر على ما قام به من عمل ، و لا يعتبر ما قام به من عمل هو مما يُقرّه الشرع الشريف و يُصحّحه .
( ما لم يعلم بمطابقته للواقع ) فلا يصح له الاقدام على العمل و ترتيب الأثر عليه في حال عدم العلم بمطابقة عمله للواقع ، و أنّى له أن يحصّل العلم بالواقع — مثال تحصيل العلم بالواقع : ما لو انطلق في عمله بعد السؤال من الامام المعصوم عليه السلام في هذه المسألة الفرعية – و أكثر الأحكام أحكام فرعية ، وليست بأحكام ضرورية — وهذا غير متحقق في زماننا – زمن غيبة مولانا القائم صلوات الله عليه و أرواحنا فداه و عجّل الله فرجه الشريف – ، و ما يعتبر من الأحكام الضرورية و القطعية و الواضحة في الشريعة فهو قليل جداً ، فكيف يمكن القول بموافقة العمل للواقع ، و النتيجة أنه لا يصح له ترتيب الأثر في حال الاقدام على أي عمل إذا لم يكن مستنداً إلى تقليد المرجع الذي يكون قوله حجة في حق المكلف أو الإحتياط .
( إلا أن يحصل له العلم بموافقته لفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً ) نعم تستثنى صورة واحدة يصح فيها العمل و بالإمكان ترتيب الأثر الشرعي على ما قام به من عمل ، وهي صورة حصول العلم للمكلف غير المجتهد بأن ما قام به من عمل يتوافق و يتطابق مع فتوى المرجع الذي يجب على غير المجتهد تقليده .
و هل أن صحة العمل و ترتيب الاثر عليه خاص بما إذا كان مقلّداً أو محتاطاً حين العمل ، أم يشمل حتى حالة ما بعد العمل – كما لو عمل ثم سأل و اكتشف أن ما قام به مطابق لرأي ذلك المرجع الذي يجب عليه أن يُقلّده – ؟
و الجواب : إن ظاهر عبارة السيد السيستاني شمولها للحالتين ، إذ يكفي الاستناد إلى قول الحجة على المكلف غير المجتهد ، وهذا لا يفرق فيه بين حالة الاستناد إلى قول الحجة حال العمل أو ما بعده .
( او ما هو بحكم العلم بالموافقة كما سيأتي بعض موارده في المسألة الحادية عشرة . ) سيأتي من السيد في المسائل الآتية تفصيل الكلام هناك و يقول بنفس ما قلته في الشرح في هذه المسألة من أن الاستناد إلى قول الحجّة ( أي قول المجتهد الذي يجب تقليده ) كافٍ حتى بعد العمل ، حيث قال هناك : ( و أما أعمال السابقة : فإن عرف كيفيتها رجع في الاجتزاء بها إلى المجتهد الجامع للشروط ، فمع مطابقة العمل لفتواه يجتزئ به …. ) و سيأتي مزيد كلام في تصحيح الرجوع للمجتهد بعد حصول العمل من المكلف ، فانتظر و قارن بين المسائل و تأمل ، فإن كلام المرجع دقيق حقيق بالتأمل و التدقيق .
ثم إن الكلام في هذه المسألة يتعلق بما إذا كان عالماً بما يقوم به من فعل من دون أن يكون مستنداً إلى قول المرجع أو محتاطاً ، فإنه نصحح عمله بالاستناد إلى قول ذلك المرجع الذي يجب عليه أن يُقلّده ، إذ كما قلنا يكفي الاستناد إلى قول الحجة على المكلف وهو المرجع ، حتى فيما بعد قيام ذلك المكلف يالعمل .
و أما لو كان يجهل الكيفية على نحو الشبهة الموضوعية ، فسيأتي الكلام عليه في المسألة رقم ۱۱ ، فانتظر .
اتضح لنا أن من لا يقلّد ولا يحتاط في عمله ، فإنه لا يكتفي بما قام به من عمل بأن يعتبر نفسه قد امتثل ، إذ هذا العمل لا يمكن أن يؤمّن الانسان و يحصّل له الأمن من العقاب الالهي المحتمل ، و ليس المراد و المعنى من كون العمل باطلاً أنه يكون باطلاً واقعاً بحيث لا يصح مطلقاً حتى لو اتضح لاحقاً أن ما قام به من عمل يتوافق مع رأي المجتهد الذي يجب عليه تقليده
مسألة ۳ : يجوز ترك التقليد و العمل بالاحتياط ، سواء اقتضى التكرار كما إذا ترددت الصلاة بين القصر و التمام ، أم لا كما إذا احتمل وجوب الإقامة في الصلاة ، لكن تمييز ما يقتضيه الاحتياط التام متعذّر أو متعسّر غالباً على غير المتفقّه ، كما أن هناك موارد يتعذّر فيها الاحتياط ولو لكون الاحتياط من جهة معارضاً للإحتياط من جهة أخرى ، ففي مثل ذلك لا بد لغير المجتهد من التقليد .
********************
( يجوز ترك التقليد و العمل بالاحتياط ) لما في الاحتياط من تحصيل براءة الذمة و امتثال الأمر الواقعي أكثر من التقليد .
وقد مرّ علينا في المسألة رقم ۱ معنى الاحتياط ، و أن المقصود به هو الاحتياط في فتاوى الفقهاء بأن يعمل بالاصعب منها بحيث يراعي اصعب المحتملات و أشدّها ، بحيث إذا عمل بالاحتمال الأصعب فإنه يتيقن ببراءة ذمته من الواقع المجهول ، وهذا الاحتياط يسميه السيد السيستاني بالاحتياط المطلق الذي هو عديل التقليد ، و هذا غير الاحتياط الذي يكون فيه المجتهد لم يصل إلى جزم بالفتوى فيحتاط في الفتوى احتياطاً وجوبياً أو لزومياً ، كأن يحتاط الفقيه بوجوب ستر الوجه على المرأة عن الرجل الأجنبي .
( سواء اقتضى التكرار كما إذا ترددت الصلاة بين القصر و التمام ) كما إذا حصل الشك لدى المحتاط في وجوب القصر أو وجوب التمام في حالة ما إذا قطع المسافة التلفيقية ، إلا أن القطع للمسافة كان بهذه الطريقة : قطع خمسة فراسخ بطريق ، ثم قطع ثلاثة فراسخ بطريق آخر ، أو العكس ، فإن الفقهاء يختلفون في حكم هذه المسألة بشقيها بين من يقول بوجوب التمام و بين من يقول بوجوب القصر ، و المحتاط في المسائل يلزم عليه حينئذ أن يجمع بين القصر و التمام ، لا أن يكتفي بأحدهما ، لأنه لا يحصل بالاتيان بأحدهما براءة الذمة و امتثال الأمر الواقعي .
( أم لا كما إذا احتمل وجوب الإقامة في الصلاة ) فاحتمال وجوب الاقامة في الصلاة لا تستلزم تعدّد الصلاة كما في الحالة المتقدمة – فلا يأتي بالصلاة مرتين مثلاً مرة بنية الاستحباب و مرة بنية الوجوب – لأن الاقامة أمر خارج عن أجزاء الصلاة التي تبدأ بالتكبير و تنتهي بالتسليم ، و إن كانت الاقامة من مقدمات الصلاة .
( لكن تمييز ما يقتضيه الاحتياط التام متعذّر أو متعسّر غالباً على غير المتفقّه )
فمن باب المثال لو وقعت نجاسة في ماء قليل ، فإن الحكم هو عدم استعمال هذا الماء في رفع الحدث و الخبث ، فلو أصاب هذا الماء ثوب ذلك الذي اتخذ الاحتياط طريقاً بديلاً عن التقليد و لم يكن عنده ثوب آخر غير ذلك لاقاه الماء المتنجس ، فإن الاحتياط يقتضي أن يصلي مرة عارياً و مرة أخرى بذلك الثوب .
و إذا فرضنا في نفس المثال ، أنه لو أراد أن يحتاط بأن يصلي مرة عارياً و مرة بذلك الثوب ، ولكن استلزم تكرار الصلاة مرتين خروج الوقت ، فإن الأمر سيؤول إلى عدم القدرة على الاحتياط ، إذ الاحتياط يكون في حدود الوقت لا أن يأتي مرة بالصلاة في داخل الوقت و مرة أخرى في خارج الوقت ، و بالتالي فلا بد له من حل هذه المشكلة إما بأن يجتهد في المسألة إذا كان من المجتهدين ، أو بأن يقلّد في المسألة مرجعاً ، و حينئذ تنتفي خاصية الاحتياط وتنتهي فاعليته ، للجوء المكلف إلى بديله وهو التقليد .
( كما أن هناك موارد يتعذّر فيها الاحتياط ولو لكون الاحتياط من جهة معارضاً للإحتياط من جهة أخرى )
و مثال تعذّر الاحتياط لمعارضته باحتياط آخر ، مثال الماء القليل الذي نشك في تنتجسه بسبب ملاقاة النجاسة و انحصر الماء في ذلك الماء المشكوك الذي لا نعلم هل وقعت فيه النجاسة أم لا ، فإن مقتضى الاحتياط الجمع بين الوضوء و التيمم ، إلا أن هذا الاحتياط خلاف الاحتياط ، لأن ذلك الماء إن كان متنجساً فعلاً فإن الوضوء به يستتبع تنجّس أعضاء الوضوء ، و لا يصح للمكلف أن يصلي و بدنه متنجس .
أو مثال آخر : كما إذا تردّد عدد التسبيحة الواجبة في الصلاة ( في الركعة الثالثة أو الرابعة لاختلاف الفقهاء في ذلك ) بين قول ( سبحان الله و الحمد و لا إله إلا الله و الله أكبر ) مرة واحدة أو بقولها ثلاث مرات ، فإن الاحتياط يقتضي الاتيان بالثلاث ، ولكنه إذا ضاق الوقت و استلزم العمل بهذا الاحتياط أن يقع مقدار من الصلاة خارج الوقت ، فإن هذا يكون خلاف الاحتياط الذي نريده ، إذ كيف نحتاط و الحال أنه يلزم من هذا الاحتياط خلاف الاحتياط ، إذ الاحتياط الذي يلزم منه الوقوع في مخالفة الاحتياط لا معنى له .
و بالتالي فلا بد من اللجوء إلى حل آخر غير الاحتياط ، ألا و هو العلم التفصيلي في المسألة إما بالاجتهاد أو التقليد ، وهو خلاف انتهاج طريق الاحتياط ، ولا معنى للإحتياط المخصوص و الذي هو عديل التقليد و الاجتهاد مع رجوع الأمر إلى التقليد في النهاية .
مسألة رقم ۴ : يكفي في التقليد تطابق عمل المكلف مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجة في حقه مع إحراز مطابقته لها ، ولا يعتبر فيه الاعتماد ، نعم الحكم بعدم جواز العدول – الآتي في المسألة الرابعة عشرة – مختص بمورد التقليد بمعنى العمل اعتماداً على فتوى المجتهد .
****************
( يكفي في التقليد تطابق عمل المكلف مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجة في حقه مع إحراز مطابقته لها )
يؤكّد السيد السيستاني على أن التقليد ليس معناه أن يكون العمل قد انطلق من الاستناد إلى قول المرجع ابتداءً ، فلا يشترط عنده أن يكون العمل مسبوقاً بالعلم بحيث يقال عمل المكلف العمل الفلاني عن تقليد ، لأن معنى ذلك – أي سبق التقليد على العمل – هو الالتزام و البناء النفسي و النية المُسبقة على أن يعمل برأي و فتوى المجتهد المرجع ، و هذا الالتزام ليس دخيلاً و لا شيئاً أساسياً في حقيقة التقليد ، بل إن معنى التقليد هو أن يتطابق العمل مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجة على المكلف مع التيقن و الاحراز و التأكد من مطابقة العمل لتلك الفتوى ولو كان ذلك الاحراز بعد أن يقوم الانسان بالعمل ، فلو عمل عملاً شرعياً عبادياً مثلاً و قصد به التقرّب إلى الله تعالى مثل :
أن يرمي الحاج جمرة العقبة الكبرى من الجهة التي تقابل مكة المكرمة ، ثم اتضح له فعلاً أن السيد السيستاني يرى جواز رمي العقبة الكبرى من تلك الجهة – وهو فعلاً يرى ذلك لتغيّر رأيه السابق في عدم جواز رميها إلا من الجهة التي تخالف جهة مكة – فإن ذلك كافٍ في الحكم بأنه قد كان عمله عن تقليد .
أو أن يقوم مثلاً بالاتيان بالتسبيحات الأربع ( سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ) ثلاث مرات في الركعة الثالثة و الرابعة من دون أن يطّلّع على رأي المجتهد ، ثم يتحقق من الأمر فيجد بأن مرجع التقليد يقول بوجوب الاتيان بهذه التسبيحات ثلاث مرات ، فإن ذلك كاف في تحقق التقليد من هذا المكلف .
ملاحظة : ليس معنى هذا الكلام أن المكلف مسموح له أن يأتي بالعمل كيفما كان ، ثم يسأل ، فإن وجد العمل مطابقاً قال الحمد لله ، وإن أتى به مخالفاً أعاده أو قضاه ، بل لا بد له من التفقه في المسائل التي يتعرّض لها في حياته ، إذ الأمور لا تؤخذ بالمصادفة ( بمنطق إن أصاب العمل فهو زين ، وإن لم يُصب فتعالوا يا مشايخ طلعوا لينا حل لهذه المشكلة التي وقعنا فيها ) إذ هذا المنطق اعوج .
و حكم السيد المتقدم بتحقق التقليد ليس معناه ترك التعلم ، وإنما السيد يريد أن يقول بأنه لو ترك التعلم و عمل العمل ثم سأل و اتضح له أن ما عمله مطابق لرأي المرجع و فتواه فإنه يعتبر ذلك تقليداً ، و سيأتي في مسائل لاحقة الحديث عن وجوب التعلم .
( ولا يعتبر فيه الاعتماد ، نعم الحكم بعدم جواز العدول – الآتي في المسألة الرابعة عشرة – مختص بمورد التقليد بمعنى العمل اعتماداً على فتوى المجتهد . )
قد اتضح من خلال الشرح عدم وجوب كون العمل مسبوقاً بالتقليد بمعنى الالتزام و الاعتماد ، حتى يتحقق التقليد ، و ذلك لعدم دخالة ذلك في معنى التقليد ، و إنما المهم أن يتطابق عمل المكلف مع رأي المجتهد سواء سبق العمل العلم أم تأخر عنه ، و طبعاً هذا غير مسالة وجوب التعلم و التفقه ، إذ المسألتان متغايرتان ، فتأمل .
نعم تستثنى من هذا الحكم صورة ذكرها السيد السيستاني في المسألة الرابعة عشرة ، حيث يشترط فيها أن يسبق العلم بفتوى المجتهد العمل ، بمعنى أن يكون ملتزماً و معتمداً على فتواه قبل العمل ولو في مسألة واحدة ، وهذه الصورة هي : ما لو قلّد الفقيه ثم مات ، و قد عدل عنه إلى الحي و عمل بفتوى الحي ، فإنه لا يجوز له العدول إلى تقليد الفقيه الميت الذي قلّده أولاً ، ما دام الفقيه الحي الذي عمل برأيه بعد العدول جامعاً لشرائط الفتوى من الأعلمية و غيرها .
مسألة ۵ : يصح التقليد من الصبي المميز ، فإذا مات المجتهد الذي قلّده قبل بلوغه كان حكمه حكم غيره الآتي في المسألة السابعة ، إلا في وجوب الاحتياط بين القولين قبل البلوغ .
*************
( يصح التقليد من الصبي المميز )
الصبي المميز هو القادر على التمييز بين الأمور الحسنة و القبيحة و لكنه لم يصل إلى سن التكليف الشرعي . وصحة التقليد من الصبي إنما هو على أساس شرعية عباداته – و إن كان غير مُلزم بها شرعاً – ، و أن عباداته ليست من أجل التمرين فقط .
و عليه فتترتب عليه الأحكام المتعلقة بالتقليد كما تترتب على البالغ ، إلا ما استثني .
( فإذا مات المجتهد الذي قلّده قبل بلوغه كان حكمه حكم غيره الآتي في المسألة السابعة )
فلو فرضنا أن الصبي – حال صباه طبعاً – قلّد مجتهداً – مثل السيد الخوئي قدس سره – ثم مات ذلك المجتهد ، لحقه الحكم الذي ذكره السيد السيستاني في المسألة السابعة ، من حيثية البقاء على تقليد ذلك المجتهد أو عدمه ، فإن كان ذلك المجتهد الميت – وهو في مثالنا السيد الخوئي قدس سره – أعلم من المجتهد الحي ، وجب عليه البقاء على تقليد السيد الخوئي ، و إذا كان المجتهد الحي أعلم من المجتهد الميت وجب الرجوع إليه ، وهذا الحكم ( وجوب البقاء على تقليد الميت أو وجوب الرجوع إلى الحي ) إنما يترتب في حال العلم بالاختلاف بين المجتهد الميت و الحي – كما هو الغالب – .
( إلا في وجوب الاحتياط بين القولين قبل البلوغ )
بمعنى أنه في المسائل التي يحصل فيها علم إجمالي منجّز – كما إذا أفتى الفقيه الميت بوجوب التمام و أفتى الفقيه الحي بالقصر – ، فإننا نعلم حينئذ أن التكليف ثابت ( وهو الصلاة ، إذ لا بد أن يصلي المسلم ) و لكن التكليف هل هو بأربع ركعات أو ركعتين ، أي أن التكليف هل هو الاقل أو الأكثر ، فإننا لا نعلم بالتكليف ، وذلك لاختلاف الأقوال بين الفقهاء في المسألة .
فحينئذ إذا لم يثبت أن الفقيه الميت أعلم من الحي حتى يبقى عليه ، ولم يثبت أن الفقيه الحي أعلم حتى يرجع إليه ، و إنما الفقيهان متساويان في العلم أو لم يتضح من هو الأعلم منهما ، فإن المكلف البالغ يتخير بينهما في التقليد في حالة عدم تحقق الأورعية في أحدهما في مقام الافتاء – و المقصود بالأورعية هي أكثرية التثبت و الاحتياط في مقام الافتاء – ففي هذه الحالة يلزم على المكلف أن يحتاط بالجمع بين القصر و التمام في هذه المسألة التي وجد فيها علم إجمالي ثبت في حق المكلف .
و لكن هذا الكلام مختص بالمكلف البالغ ، و أما الصبي فلا يشمله الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام – كما هو المثال – لأن وجوب الصلاة لم يثبت في حقه ، إذ هو غير مكلف بالصلاة ، فكيف يثبت في حقه وجوب الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام ؟ و وجوب الاحتياط لا يكون حينئذ إذا لم تكن الصلاة في الأساس واجبة ، وهل يزيد الفرع على الأصل ؟؟
******************
مسألة ۶ : يجوز تقليد من اجتمعت فيه أمور : البلوغ ، و العقل ، و الإيمان ، و الذكورة ، و الاجتهاد ، و العدالة ، و طهارة المولد ، و الضبط بالمقدار المتعارف ، و الحياة على التفصيل الآتي .
***************
( يجوز تقليد من اجتمعت فيه أمور )
القول بالجواز يعني الرخصة ، و ليس معناه ترك التقليد من رأس ، و ذلك لأن أحكام الشريعة التفصيلية لا بد من تطبيقها في حال الابتلاء بها ، و لكن التطبيق لها بالطرق التي ذكرها الشرع نفسه ، و الشرع قد حدّد أن تطبيق الشريعة إنما يكون بأحد الطرق الثلاثة ، وهي أن يكون الانسان مجتهداً في الشريعة بحيث تكون له القدرة على تحديد الحكم الشرعي من خلال مدرسة الثقلين ( القرآن و العترة الطاهرة ) ، أو أن يكون مقلّداً لمن جمع شرائط التقليد الآتية من هؤلاء الذين لهم القدرة على تحديد الحكم الشرعي ، أو أن يكون محتاطاً بالطريقة التي مر شرحها ، و بالتالي يصح تطبيق الشريعة على واحد من هذه الطرق الثلاثة ، و تكون النتيجة : أنه إذا لم تستطع تطبيق الشريعة من خلال الاجتهاد الشرعي ، فيمكن أن تطبقها من خلال الطريقين الآخرين ( التقليد أو الاحتياط ) ، ولا يلزم أحدهما ، وهذا هو أحد ما نفسر به معنى الجواز .
و قد يكون معنى الجواز هنا بمعنى أن الحجة على المكلف هو تقليد من اجتمعت فيه الشروط التالية :
( الإيمان ) المقصود به : أن يكون المرجع – الذي يرجع إليه في التقليد – ممن يعتقد بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام .
( الذكورة ) فلا يصح تقليد الأنثى حتى ولو وصلت إلى رتبة الاجتهاد .
( العدالة ) فلو توفر شرط الأعلمية في مجتهد ولم يكن عادلاً – أي يترك الواجبات و يرتكب المحرمات – فلا يصح تقليده .
( طهارة المولد ) أي أن لا يكون ولد زنا .
( الضبط بالمقدار المتعارف ) أي أن لا يكون مصاباً بمرض النسيان و الغفلة ، بحيث يستطيع ضبط الأدلة في مقام الفتوى و عدم الاضطراب فيها ، إذ كيف يكون المجتهد عالماً فقيهاً و من أهل الذكر و هو يعجز في مقام الفتوى و الاستنباط عن معرفة الأدلة و المدارك ؟؟؟
مسألة ۷ : لايجوز تقليد اميت ابتداءً و إن كان أعلم من الحي ، وإذا قلّد مجتهداً فمات ، فإن لم يعلم – ولو إجمالاً – بمخالفة فتواه لفتوى الحي في المسائل التي هي في معرض ابتلائه جاز له البقاء على تقليده ، وإن علم بالمخالفة – كما هو الغالب – فإن كان الميت أعلم وجب البقاء على تقليده ، و مع كون الحي أعلم يجب الرجوع إليه ، و إن تساويا في العلم أو لم تثبت أعلمية أحدهما من الآخر يجري عليه ما سيأتي في المسألة التالية .
و يكفي في البقاء على تقليد الميت – وجوباً أو جوازاً – الالتزام حال حياته بالعمل بفتاواه ، ولا يعتبر فيه تعلمها أو العمل بها قبل وفاته .
*******************
( لايجوز تقليد اميت ابتداءً و إن كان أعلم من الحي )
هذه المسألة مما وقع فيها الخلاف بين الفقهاء ، و السيد السيستاني يرى حرمة التقليد الابتدائي للميت ، فلو كان شخص لم يسبق له التقليد مطلقاً – بأي معنى فسّرنا التقليد – فإنه لا يجوز له مثلاً أن يقلّد السيد الخوئي أو السيد الخميني قدس سرهما
و قد اختلف القائلون في حرمة التقليد الابتدائي للمجتهد الميت في الدليل الذي يستدلون به للمنع من التقليد الابتدائي ، ولا حاجة لسرد الأدلة على ذلك ، لأن المقام هو شرح الفتوى فقط .
( وإذا قلّد مجتهداً فمات ، فإن لم يعلم – ولو إجمالاً – بمخالفة فتواه لفتوى الحي في المسائل التي هي في معرض ابتلائه جاز له البقاء على تقليده )
و إذا سبق من المكلف البالغ العاقل – بل وحتى الصبي كما مرّ شرحه في المسألة ۵ – التقليد لذلك المجتهد حال حياته – كالسيد الخوئي قدس سره – ثم تُوفي ذلك المجتهد و انتقل إلى جوار ربه راضياً مرضيّاً ، فهنا يختلف الحكم عن الفرع الأول من هذه المسألة ( مسألة التقليد الابتدائي ) ، إذ أن الحكم هنا يكون كالآتي :
إن لم يتبيّن للمكلف و لم يتضح له المخالفة في المسائل التي يمكن أن تعترضه في حياته و يُبتلى بها – من قبيل مسائل الصلاة و الطهارة و ماشابه ذلك – بين المجتهد الميت الذي كان يُقلّده و بين المجتهد الحي الذي ربما يمكن أن يكون هو الأعلم من الممجتهد الميت ، فإنه يجوز له البقاء على تقليد الميت ( السيد الخوئي في مثالنا ) – و هذا طبعاً فرضٌ قليل الوقوع ولا سيما للمجتمع المتدين الذي يلاحق فتاوى الفقهاء من حيث الجزم أو من حيث الاحتياط .
( وإن علم بالمخالفة – كما هو الغالب – فإن كان الميت أعلم وجب البقاء على تقليده ، و مع كون الحي أعلم يجب الرجوع إليه )
و بما أن المجتمع المتدين يلاحق فتاوى الفقهاء ، فيعمل بالفتاوى و يعدل في الاحتياطات ، و يحاول أن يتطلب الرخص و المخارج الفقهية ، فإنه يتحقق العلم بالمخالفة بين المجتهد الميت و بين المجتهد الحي .
فحينئذ يكون حكم من سبق منه تقليد ذلك المجتهد حال حياته ثم انتقل إلى ربّه الرحيم الرؤوف أن يلاحظ توفّر عنصر الأعلمية في المجتهد الميت و المجتهد الحي ، فإن كان الميت أعلم – بحسب الوسائل المعقودة عندهم لمعرفة وتمييز الأعلم من خلالها ولو من مثل الاستصحاب : بأن كان متيقناً من أعلمية المجتهد الميت ، ثم بعد وفاته يشك في انتفائها فإنه يبني على بقاء تلك الحالة السابقة – فإنه يجب عليه بحسب فتوى السيد السيستاني البقاء على تقليد المجتهد الميت .
و المقصود بالاستصحاب : هو أن تكون هناك حالة قد تيقن الانسان من حكمها ، ثم يشك في تبدل حكم تلك الحالة إلى حكم آخر لتغير بعض الأمور التي توجب الشك ، و الفقهاء يحكمون في هذه الحالة على بقاء حكم تلك الحالة السابقة و عدم تغير الحكم .
و إن كان المجتهد الحي أعلم – و تحدّد كونه الأعلم بالوسائل التي يعرف بها – فإنه يجب على من سبق منه التقليد للمجتهد الميت أن يرجع للمجتهد الحي .
و إن توصّل المكلف – بحسب الضوابط التي عقدها الفقهاء لمعرفة الأعلمية – إلى تساوي المُجتهدَين الميت و الحي في الأعلمية أو لم يتوصل إلى اثبات أعلمية أحد المُجتهدَين ( الحي و الميت ) فيجري عليه الحكم الآتي في المسألة رقم ۸ .
( و يكفي في البقاء على تقليد الميت – وجوباً أو جوازاً – الالتزام حال حياته بالعمل بفتاواه ، ولا يعتبر فيه تعلمها أو العمل بها قبل وفاته . )
ففي مسألة البقاء على تقليد الميت التي مر شرحها قبل قليل ، لا يشترط في البقاء على تقليد الميت – في حالة ما إذا لم يعلم بالخلاف بين الميت و الحي في المسائل التي يبتلى بها أو في حالة ما إذا ثبت له من خلال الوسائل المعتمدة لمعرفة الأعلم أن الميت أعلم من الحي – أن يكون قد عمل بأي فتوى من فتاوى الفقيه الحي ، سواء كان سبق منه العلم بالفتوى قبل العمل أو عمل ثم طابق عمله مع فتوى المجتهد ، إذ يكفي في البقاء أن يكون ممن التزم ونوى أن يعمل بفتوى ذلك المجتهد حال عروض ما يوجب له العمل بالفتوى حتى ولو لم يعرض له شيء من ذلك .
+++++++++++
مسألة ۸ : إذا اختلف المجتهدون في الفتوى وجب الرجوع إلى الأعلم ( أي الأقدر على استنباط الأحكام بأن يكون أكثر إحاطة بالمدارك و تطبيقاتها بحيث يكون احتمال إصابة الواقع في فتاواه أقوى من احتمالها في فتاوى غيره ) .
ولو تساووا في العلم أو لم يحرز وجود الأعلم بينهم ، فإن كان أحدهم أورع من غيره في الفتوى – أي أكثر تثبّتاً و احتياطاً في الجهات الدخيلة في الأفتاء – تعيّن الرجوع إليه ، و إلا كان المكلف مخيّراً في تطبيق عمله على فتوى أي منهم ، ولا يلزمه الاحتياط بين أقوالهم ، إلا في المسائل التي يحصل له فيها علم إجمالي منجّز أو حجّة اجمالية كذلك — كما إذا أفتى بعضهم بوجوب القصر و بعض بوجوب التمام فإنه يعلم بوجوب أحدهما عليه ، أو أفتى بعضهم بصحة المعاوضة و بعض ببطلانها فإنه يعلم بحرمة التصرف في أحد العوضين — فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيها .
**************************
( إذا اختلف المجتهدون في الفتوى وجب الرجوع إلى الأعلم ( أي الأقدر على استنباط الأحكام بأن يكون أكثر إحاطة بالمدارك و تطبيقاتها بحيث يكون احتمال إصابة الواقع في فتاواه أقوى من احتمالها في فتاوى غيره ) .
لا شك أن الفقهاء المجتهدين بحسب اختلاف مبانيهم الأصولية و الرجالية و غيرها يختلفون في مقام الافتاء ، و الاختلاف ليس نادراً ، و من هنا لا بد للمكلف من الرجوع في أخذ الأحكام – إن أراد أن ينتهج نهج التقليد لا الاحتياط – إلى المجتهد الأعلم ، سواء كان في مجال الابتداء بالتقليد أو في مجال البقاء على التقليد كما مرّ شرحه – .
و المقصود بالأعلم هو الأقدر على استنباط الأحكام …… ، وقد شرح السيد السيستاني في تعليقته الشريفة على كتاب العروة الوثقى للسيد الطباطبائي قدس سره مقصوده من حقيقة الأعلم ، حيث قال :
( عمدة ما يلاحظ فيه الأعلمية أمور ثلاثة :
الأول : العلم بطرق اثبات صدور الرواية ، و الدخيل فيه علم الرجال و علم الحديث بما له من الشؤون كمعرفة الكتب و معرفة الرواية المدسوسة بالاطلاع على دواعي الوضع … و معرفة النسخ المختلفة و تمييز الأصح من غيره و الخلط الواقع بين متن الحديث و كلام المصنفين و نحو ذلك …
الثاني : فهم المراد من النص بتشخيص القوانين العامة للمحاورة و خصوص طريقة الأئمة عليهم السلام في بيان الأحكام ، و لعلم الأصول و العلوم الأدبية و الاطلاع على أقوال من عاصرهم من فقهاء العامة دخالة تامة في ذلك .
الثالث : استقامة النظر في مرحلة تفريع الفروع على الأصول )
فإذا تحققت هذه الأمور في المجتهد كان هو الأعلم الذي يجب الرجوع إليه ، لكونه الأقرب لاصابة الواقع المطلوب أكثر من غيره من المجتهدين الآخرين ، وهذا شيء ليس بالعسير اكتشافه من قبل الذين لهم الخبرة في التشخيص الدقيق للإستدلال الفقهي ، ومن يقل بعدم القدرة على ذلك فهو واهم ، على أنه – كما يقول السيد البهشتي رحمه الله – ليس من الأعلمية في شيء ما يُدعى من كثرة التأليف و كثرة التفريع للمسائل ، إذ ذلك بمجرده غير كافٍ في الحكم بالأعلمية ، لا سيما و إن أكثر أو أغلب تلك التفريعات مأخوذة من رسائل من سبق من العلماء ، كما ورد التصريح بذلك في بعض الرسائل العملية .
( ولو تساووا في العلم أو لم يحرز وجود الأعلم بينهم ، فإن كان أحدهم أورع من غيره في الفتوى – أي أكثر تثبّتاً و احتياطاً في الجهات الدخيلة في الأفتاء – تعيّن الرجوع إليه ، )
يمكن أن نفسر تساوي المجتهدين في العلم بأنه عدم ظهورر تفوّق أحدهم على غيره ، ولم يصل الأمر إلى حد يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول المفضول ، و بعبارة أخرى : إن التفوق لا بد أن يكون بمتسوى ظاهر و معلوم لدى المتخصصين من أهل العلم ، بحيث أن المتخصصين إذا ذكروا فلاناً وفلاناً من المجتهدين يميزون بينهما على أساس أن الرجوع إلى قول المفضول يوجب حصول الريبة و الشك في حجية قوله و افتاءه ، وهذا غير متحقق في المستويات المتقاربة بين المجتهدين .
أو أنه لم يُحرز و يُتحقق و يُتيقن بوجود الأعلم بينهم ، ففي كلا الحالين ، ننظر و نبحث في هذه المستويات العلمية – من خلال الوسائل التي نكتشف بها المستويات العلمية – فإن وجدنا في تلك المستويات المتقاربة علمياً من هو أورع في مجال الافتاء لا في غيرها من شؤون الحياة ، بحيث يكون أكثر تثبتاً و احتياطاً في الجهات الدخيلة في الافتاء ، فإنه يتعيّن الرجوع إليه .
( و إلا كان المكلف مخيّراً في تطبيق عمله على فتوى أي منهم ، ولا يلزمه الاحتياط بين أقوالهم )
فإذا كانت المستويات العلمية متقاربة ، و لم يتميز أحدهم بتفوق علمي ، ولم يكن أحدهم أورع في مقام الافتاء ، فإنه يستطيع تقليد أي منهم ويرجع إليه و تبرأ ذمته ، ولا معنى للإحتياط في أقوالهم ، إذ أنه كما يقولون ( قلّدها عالم و اطلع منها سالم ) .
( إلا في المسائل التي يحصل له فيها علم إجمالي منجّز أو حجّة اجمالية كذلك — كما إذا أفتى بعضهم بوجوب القصر و بعض بوجوب التمام فإنه يعلم بوجوب أحدهما عليه ، أو أفتى بعضهم بصحة المعاوضة و بعض ببطلانها فإنه يعلم بحرمة التصرف في أحد العوضين — فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيها . )
فإذا تساوى العلماء فيما بينهم ولم يتضح التفوق فيما بينهم من أحدهم على الآخرين و لم يكن هناك من هو أورع في ما يتعلق بالاستنباط ، فإنه إذا اختلفوا و حصل العلم الاجمالي المنجز الذي يثبت في الذمة إما وجوب هذا الشيء أو وجوب ذاك الشيء ، أو حرمة هذا الشيء أو حرمة ذاك الشيء ، فإنه يلزم على من يعلم باختلاف الفتاوى بين المتساوين من الفقهاء و يكون الاختلاف مؤدياً إلى حصول العلم الاجمالي في حقه ، بحيث لا مفر له إلا من التطبيق لكلا حكمي الوجوب ، كما الحال بالنسبة لاختلافهم في وجوب القصر أو التمام في مورد المسافة التلفيقية من حيث بلوغ مجموع الذهاب و الاياب ثمانية فراسخ أو لا بدية أن يبلغ الذهاب أربعة و الاياب أربعة ، فإنه يلزم عليه على الأحوط لزوماً أن يجمع بين القصر والتمام .
و عبارة ( لا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط ) في عبارة السيد السيستاني تعني الاحتياط اللزومي لا الفتوى ، أي أن السيد لم يتوصل إلى الجزم بالفتوى . نكمل بفضل الله تعالى و فضل رسوله و آله الكرام صلوات الله عليهم أجمعين .
الاستدراك الأول على المسألة رقم ۵ :
قال السيد السيستاني :
( وإن علم بالمخالفة – كما هو الغالب – فإن كان الميت أعلم وجب البقاء على تقليده ، و مع كون الحي أعلم يجب الرجوع إليه )
قد مر شرح هذه الفقرة مفصلاً ، إلا أن السؤال الذي يعترضنا ، وهو أنه لو كان ذلك المجتهد الذي كان يقلده المكلف قد احتاط في مسألة ما ، مثل ما لو احتاط ذلك المجتهد في وجوب الاخفات في البسملة في الركعة الثالثة و الرابعة عند اختيار قراءة سورة الفاتحة ، و عدل إلى من يقول بجواز الجهر بالبسملة في الحالة المزبورة ، ثم توفي المجتهد الثاني ( المعدول إليه ) فهل يسري حكم هذه المسألة على هذا الفرض أم لا ؟
ظاهر عبارة السيد في المنهاج ، هو الشمول و السريان لهذه الحالة ، فإن كان المعدول إليه هو الأعلم من غيره من الفقهاء ( طبعاً الكلام عن غير المجتهد الأول المعدول عنه ) فإنه يبقى على تقليده .
وقد رايت استفتاءً خطياً صادر من مكتب السيد السيستاني في النجف يقول بلزوم اليقاء على تقليد ذلك الفقيه المعدول إليه ، وفي استفتاء خطي آخر قال بجواز البقاء على تقليد ذلك الفقيه المعدول إليه في حالة الاحتياط التي قال بها الفقيه المعدول عنه ، و إن كان ظاهر عبارة المنهاج عدم التفصيل في ذلك .
مسألة ۹ : إذا علم أن أحد المجتهدين أعلم من الآخر – مع كون كل واحد منهما أعلم من غيرهما ، أو انحصار المجتهد الجامع للشرائط فيهما – فإن لم يعلم الاختلاف بينهما في الفتوى تخيّر بينهما .
و إن علم بالاختلاف وجب الفحص عن الأعلم .
فإن عجز عن معرفته كان ذلك من اشتباه الحجة باللاحجة في كل مسألة يختلفان فيها في الرأي :
ولا إشكال في وجوب الاحتياط فيها مع اقترانه بالعلم الاجمالي المنجّز .
كما لا محل للاحتياط فيما كان من قبيل دوران الأمر بين المحذورين ونحوه ، حيث يحكم فيه بالتخيير مع تساوي احتمال الأعلمية في حق كليهما ،
و إلا فيتعيّن العمل على وفق فتوى من يكون احتمال أعلميته أقوى من الآخر .
و أما في غير الموردين ، فالصحيح هو التفصيل :
أي وجوب الاحتياط بين قوليهما فيما كان من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة في الأحكام الالزامية ، سواء أكان في مسألة واحدة كما إذا أفتى أحدهما بوجوب الظهر و الآخر بوجوب الجمعة مع احتمال الوجوب التخييري ، أم في مسألتين كما إذا أفتى أحدهما بالحكم الترخيصي في مسألة و الآخر بالحكم الالزامي فيها و انعكس الأمر في مسألة أخرى .
و أما إذا لم يكن كذلك فلا يجب الاحتياط ، كما إذا لم يعلم الاختلاف بينهما على هذا النحو إلا في مسألة واحدة ، أو علم به في أزيد منها مع كون المفتي بالحكم الالزامي في الجميع واحداً .
*********************
( إذا علم أن أحد المجتهدين أعلم من الآخر – مع كون كل واحد منهما أعلم من غيرهما ، أو انحصار المجتهد الجامع للشرائط فيهما – فإن لم يعلم الاختلاف بينهما في الفتوى تخيّر بينهما . )
إذا علم المكلف مثلاً أن السيّد الخوئي قدس سره أعلم من السيّد الخميني قدس سره أو العكس – مع كون السيّدين قدس سرهما أعلم من غيرهما ، أو لا يوجد مجتهد جامع للشرائط غيرهما – :
فإن لم يعلم المكلف بالاختلاف بينهما في الفتوى فيما يبتلي به من المسائل الشرعية في حياته ، بأن علم باتفاق السيّدين قدس سرهما في فتاويهما التي يحصل الابتلاء بها في الحياة ، أو أنه لم يطلع على الاختلاف فيما بينهما في تلك الفتاوى ، فإن المكلف يمكنه أن يختار من يشاء منهما فيقلّده و يعمل بفتاواه .
( و إن علم بالاختلاف وجب الفحص عن الأعلم . )
و في حال علم المكلف بالاختلاف في الفتاوى التي يتعرّض لها في حياته الخاصة و العامة ، فإنه يلزمه الفحص عن الأعلم من السيّدين المباركين ( رحمهما الله تعالى رحمة الأبرار ) ، فإن توضح له بعد الفحص و البحث و اعتماد الوسائل التي يمكن من خلالها اكتشاف أعلمية أحد السيدين الجليلين ، فإن كان الذي اكتشف أعلميته هو السيد الخوئي قلّده ، و إن كان الذي اكتشف أعلميته هو السيد الخميني قلّده .
( فإن عجز عن معرفته كان ذلك من اشتباه الحجة باللاحجة في كل مسألة يختلفان فيها في الرأي : )
ولو أن ذلك المكلف بحث و سأل و حاول أن يتعرّف على الأعلم بالنسبة للسيّدين الشريفين ( رضي الله عنهما ) فلم يحصل على نتيجة واضحة في ذلك الشأن ، فإن الأمر حينئذ قد اختلط على المكلف و أصبحت فتاوى كل من السيّدين قدس سرهما – مما قد اختلفا فيه في الفتوى – لا يُعلم أي منهما هي الحجة التي بجب الاعتماد عليها و الأخذ بها و أي منهما هي اللاحجة التي لا يُعتمد عليها ولا يؤخذ بها ، إذ لا شك في وجود الفتاوى الحجة على المكلف من فتاوى أحد السيّدين ، إلا أنه حصل الاشتباه في أن فتاوى السيد الخوئي هي الحجة و فتاوى السيد الخميني تكون غير حجة أو فتاوى السيد الخميني هي الحجة و فتاوى السيد الخوئي غير حجة ، و حينئذ هنا تفصيل :
( ولا إشكال في وجوب الاحتياط فيها مع اقترانه بالعلم الاجمالي المنجّز . )
بعد حصول الاشتباه بالأعلمية في حق السيّدين و دخول فتاوى كل منهما تحت قاعدة اشتباه الحجة باللاحجة و اختلاطهما و عدم تميزهما ، فإن اختلفا في الفتاوى التي تكون في معرض ابتلاء المكلف ، بحيث اتفقا على أصل التكليف و وجوده ، إلا أنهما اختلفا في ما هو الشيء الذي فيه التكليف ، و مثال ذلك :
۱- إذا قال السيد الخوئي قدس سره ( مثال افتراضي لا حقيقي ) بأنه يلزم تطهير موضع خروج البول بالماء القليل مرتين ، و قال السيد الخميني قدس سره بأنه يلزم التطهير لذلك الموضع مرة واحدة ولا يجب أكثر من ذلك ، فإنه في هذه الحالة يعلم المكلف بوجوب غسل موضع البول – وهو أمر متفق عليه بينهما – إلا أن المكلف علم باختلافهما في المقدار الذي يحصل به طهارة الموضع ، وهو علم إجمالي لا تفصيلي بالنظر إلى الفتويين الصادرتين منهما قدس سرهما ، و على المكلف حينئذ أن يحتاط بغسل موضع البول مرتين ولا يكتفي بالغسل مرة واحدة .
۲- إذا قال السيد الخوئي ( مثال افتراضي ) بأنه يلزم في المسح للقدمين في الوضوء أن يكون المسح إلى المفصل ، وقال السيد الخميني بأنه يجب المسح إلى قبة القدم ولا يجب المسح إلى المفصل ، فهنا يعلم المكلف بوجوب المسح ، إلا أن الذي يجهله بسبب اختلاف الفتويين بين السيّدين قدس سرهما هل هو المسح للأكثر ( حتى المفصل ) أو أنه الأقل ( المسح لقبة القدم – ظهر القدم ) ، فحينئذ هو يعلم إجمالاً إما وجوب مسح الأكثر أو مسح الأقل ، فحينئذ يلزمه أن يمسح إلى المفصل لا إلى قبة القدم .
( كما لا محل للاحتياط فيما كان من قبيل دوران الأمر بين المحذورين ونحوه ، حيث يحكم فيه بالتخيير مع تساوي احتمال الأعلمية في حق كليهما ، )
المقصود بالمحذورين : هما الأمران اللذان لا يمكن أن يجتمعا من حيث التشريع لتنافيهما في جميع الحيثيات ، فلو افتى السيد الخوئي بأن صلاة الجمعة واجبة في زمن الغيبة و يجب الحضور لها و افتى السيد الخميني بحرمة إقامة صلاة الجمعة و عدم جواز جعلها بديلاً عن الظهر ، فهنا لا يمكن أن يحتاط المكلف في هذه المسألة ، لأن كلاً من الفعل و الترك مخالف للإحتياط ، و عليه لا يمكنه أن يترك الصلاة من رأس ، ولا يمكنه أن يحتاط ، و بالتالي يكون الأمر حينئذ متروكاً لاختيار المكلف و تخييره في الاتيان بصلاة الجمعة أوصلاة الظهر .
هذا كله إذا إذا كان السيّدان قدس سرهما متساويين في احتمال الأعلمية .
( و إلا فيتعيّن العمل على وفق فتوى من يكون احتمال أعلميته أقوى من الآخر . )
وإذا حصل من خلال الوسائل التي يستكشف بها الأعلمية احتمال أعلمية السيد الخوئي أو السيد الخميني ولم يصل إلى حد اليقين بها ، فإنه لا يحتاج إلى الاحتياط في مسائل العلم الاجمالي ، و يطبّق فتاوى من احتملت أعلميته ، سواء كان هو السيد الخوئي أو السيد الخميني . نكمل المسألة رقم ۹ :
( و أما في غير الموردين ، فالصحيح هو التفصيل : )
يقصد السيد السيستاني بالموردين ، هي مسائل العلم الاجمالي المنجّز الذي يُثبت على المكلف وجوب الاحتياط بين قولي المجتهدين كما مر شرحه ، و مسائل دوران الأمر بين المحذورين .
و في غير هذين الموردين هناك تفصيل في المسألة ، و مفاد هذا التفصيل هو ما يلي :
فبعد أن عجز عن معرفة من هو الأعلم ، هل هو السيد الخوئي أو السيد الخميني ، ولم يحصل له احتمال أعلمية أحدهما على الآخر ، فكيف يتعامل مع فتاوى هذين المجتهدين التي هي غير مسائل العلم الاجمالي و مسائل دوران الأمر بين المحذورين – المار شرحهما – ؟؟
يقول السيد السيستاني :
( أي وجوب الاحتياط بين قوليهما فيما كان من قبيل اشتباه الحجة باللاحجة في الأحكام الالزامية ، سواء أكان في مسألة واحدة كما إذا أفتى أحدهما بوجوب الظهر و الآخر بوجوب الجمعة مع احتمال الوجوب التخييري ، أم في مسألتين كما إذا أفتى أحدهما بالحكم الترخيصي في مسألة و الآخر بالحكم الالزامي فيها و انعكس الأمر في مسألة أخرى . )
فيجب على المكلف في هذه الحالة التي لم يتضح فيها من هو الأعلم بين المجتهدين ( الخوئي و الخميني ) و لم تكن المسألة التي اختلفا فيها من مسائل العلم الاجمالي و لا من مسائل دوران الأمر بين المحذورين ، أن يحتاط بين القولين في الحكم الالزامي ، لأنه لا يعلم حينئذ من هو الذي قوله حجة و من هو الذي قوله غير حجة ، إذ يشتبه الأمر حينئذ على المكلف ، فيالتالي يلزمه أن يحتاط ، وقد ذكر السيد السيستاني مثالين :
الأول : إذا كان قد صدر من كل منهما حكم إلزامي في مسألة واحدة ، كحكم السيد الخميني مثلاً بوجوب صلاة الظهر و حكم السيد الخوئي بوجوب صلاة الجمعة على نحو التخيير لا على نحو التعيين و الالزام – وإلا لو كان حكمه بصلاة الجمعة على المكلف على نحو التعيين أصبح الحكم متعارضاً مع الحكم بوجوب صلاة الجمعة و صار الحكمان من مسائل دوران الأمر بين المحذورين – فجينئذ يلزم على المكلف أن يحتاط بين القولين ، فيصلي في يوم الجمعة صلاة الجمعة ثم يعيدها ظهراً ، كل ذلك من باب الاحتياط ، ولا ضير في الاتيان بالصلاتين بنية الاحتياط حينئذ . ( المثال افتراضي للتوضيح لا اقل ولا أكثر )
الثاني : إذا صدر من أحد السيّدين حكم ترخيصي و من الآخر حكم إلزامي أو العكس ، كما إذا افتى السيد الخوئي ( المثال افتراضي ) بأن الرجل إذا تزوج بفتاة صغيرة لم تبلغ سن التكليف فدخل بها قبل إكمالها سن التاسعة ، فإنها تحرم عليه مؤبداً ، و أفتى السيد الخميني في المسالة : بأنها لا تحرم عليه مؤبداً ، ولكن عليه الانفاق عليها ما دامت حية و إن طلقها ، فمع هذا الاختلاف الافتراضي في المسألة ، فإن حكم المكلف هو الاحتياط ، و كيفية الاحتياط أن يفارقها بالطلاق ، ثم يُجري عليها النفقة ما دامت حيّة – حكم النفقة مدى الحياة – ، بل و يعطيها دية الافضاء و الدخول بها قبل بلوغها .
أو صدر من السيد الخوئي ( المثال افتراضي ) حكم بكراهة الارتماس في نهار الصوم و انه لا يبطل الصوم ، و حكم السيد الخميني بأن الارتماس مبطل ، فالاحتياط يكون بترك الارتماس في نهار الصوم ، لأنه بذلك يقطع بصحة صومه ، بخلاف ما لو ارتمس عمداً فإنه يحتمل بطلانه بحسب الحكم الشرعي الواقعي .
( وأما إذا لم يكن كذلك فلا يجب الاحتياط ، كما إذا لم يعلم الاختلاف بينهما على هذا النحو إلا في مسألة واحدة ، أو علم به في أزيد منها مع كون المفتي بالحكم الالزامي في الجميع واحداً . )
في هذا الفرع الأخير ، يريد أن يقول السيد السيستاني : أنه إذا لم تكن المسألة المختلف فيها بين السيّدين من مسائل العلم الاجمالي ولا من مسائل دوران الأمر بين المحذورين ، ولا من مسائل اشتباه الحجة باللاحجة – كما شرحناه مفصلاً – ، بأن كانت المسألة التي اختلفا فيها هي مسألة واحدة يتيمة وفي بقية المسائل اتفقا على حكمها ، أو أن الخلاف بينهما في أكثر من مسألة ، إلا أن المكلف يلاحظ دائماً أن السيد الخميني هو الذي يفتي بالحكم اللزومي في تلك المسائل ، و أما السيد الخوئي فيفتي دائماً في هذه المسائل بالترخيص و عدم الالزام ، ففي هذه الحالة لا يجب الاحتياط على المكلف مطلقاً .
تفريع على حكم المسألة السابقة :
لو فرضنا أن السيد الخوئي احتاط في مسألة ما احتياطاً وجوبياً ، كما هو الحال فعلاً في مسألة العقد المنقطع على البكر ، حيث احتاط احتياطاً وجوبياً بعدم جواز العقد على البكر إلا بإذن الولي ( الأب أو الجد للأب ) إن كان موجوداً ، و أراد المكلف العدول في هذا الاحتياط إلى مرجع آخر يجيز له العقد بدون إذن الولي ، فهنا ماذا يلاحظ المكلف في هذه المسألة ؟
الجواب : إن أراد الرجوع إلى فقيه آخر حي ، و كان هذا الفقيه الحي قد ثبت أنه الأعلم بعد السيد الخوئي و يرجع إليه في الاحتياطات ، فإن الأمر سهل .
و أما إن كان هذا الفقيه لم يثبت كونه أعلم من غيره ولم يحتمل ذلك ايضاً ( و مثالنا الافتراضي في ذلك الأمر : أن الفقيه الذي يريد الرجوع إليه مثلاً هو الشيخ محمد أمين زين الدين – الذي يجيز فعلاً العقد على البكر بدون إذن الولي ) و كان هناك فقهاء آخرون في نفس رتبته ولم يثبت كونه الأعلم منهم ، و لم يثبت كونهم أعلم منه ، ولا يوجد احتمال أعلميته أو أعلميتهم عليه ، ( من مثل السيد السيستاني الذي يرى عدم صحة العقد مطلقاً إذا كانت البنت غير مستقلة بجميع شؤونها عن وليها و كان وليها موجوداً يرزق ، أو من مثل السيد سعيد الحكيم الذي يرى صحة العقد على البنت حتى بدون إذن الولي و لكن بشرط عدم الدخول ) فهنا ماذا يفعل المكلف ؟
فبناءً على رأي السيد الخوئي مثلاً : فإن كانت الفتاة التي يريد العقد عليها غير مستقلة بجميع شؤونها فإنه لا يستطيع الرجوع للشيخ زين الدين لكي يعقد عليها و يستفيد من فتواه بجواز العقد مطلقاً ، ، ولا يستطيع الرجوع للسيد الحكيم لكي يعقد عليها بدون إذن الولي حتى بدون الدخول بها ، بل إنه يرجع للسيد السيستاني في المسألة ، و السيد السيستاني يفتي بحرمة العقد إذا لم تكن مستقلة في جميع شؤونها ، و عليه فلا يصح العقد على تلك البنت البكر ، ولا ينفعه ان مرجعه الأصلي قائل بالاحتياط و يحق له الرجوع للغير من المراجع الفرعيين كالشيخ زين الدين و السيد سعيد الحكيم ، و ذلك لما لأن السيد الخوئي يرى وجوب العمل بأحوط الأقوال ، وهي هنا فتوى المانع من العقد حينئذ .
وقد اتضح من رأي السيد السيستاني أنه في أصل المسألة إذا اختلف المجتهدون في الفتوى و لم يثبت أعلمية أحدهم ولم يكن أحدهم أورع في مقام الفتيا و الاستنباط فإنه يجوز الرجوع إلى اي واحد من هؤلاء المراجع المتساوين ، و ذلك في حال إذا لم تقترن المسألة الخلافية بعلم إجمالي منجّز ، وقد مر شرح معنى العلم الاجماليتفريع آخرعلى حكم المسألة السابقة :
لو فرضنا أن السيد السيستاني احتاط في مسألة ما احتياطاً وجوبياً ، كما هو الحال فعلاً في مسألة الزواج ممن زنى بها وهي على ذمة زوجها ، حيث احتاط احتياطاً وجوبياً بعدم جواز العقد عليها ، و أراد المكلف العدول في هذا الاحتياط إلى مرجع آخر يجيز له العقد على تلك المرأة ، فهنا ماذا يلاحظ المكلف في هذه المسألة ؟
الجواب : إن أراد الرجوع إلى فقيه آخر حي ، و كان هذا الفقيه الحي قد ثبت أنه الأعلم بعد السيد السيستاني و يرجع إليه في الاحتياطات ، فإن الأمر سهل .
و أما إن كان هذا الفقيه لم يثبت كونه أعلم من غيره ولم يحتمل ذلك ايضاً ( و مثالنا في ذلك الأمر : أن الفقيه الذي يريد الرجوع إليه مثلاً هو الشيخ محمد اسحاق الفياض – الذي يجيز فعلاً العقد على هذه المرأة و إن كان الأحوط استحباباً الترك ) و كان هناك فقهاء آخرون في نفس رتبته ولم يثبت كونه الأعلم منهم ، و لم يثبت كونهم أعلم منه ، ولا يوجد احتمال أعلميته أو أعلميتهم عليه ، ( من مثل السيد الخميني – إذا فرضنا وجوده – الذي يرى عدم صحة العقد مطلقاً و يفتي في ذلك ) فهنا ماذا يفعل المكلف ؟
قداتضح من رأي السيد السيستاني أنه في أصل المسألة إذا اختلف المجتهدون في الفتوى و لم يثبت أعلمية أحدهم ولم يكن أحدهم أورع في مقام الفتيا و الاستنباط فإنه يجوز الرجوع إلى أي واحد من هؤلاء المراجع المتساوين ، و ذلك في حال إذا لم تقترن المسألة الخلافية بعلم إجمالي منجّز ، وقد مر شرح معنى العلم الاجمالي ، و عليه فيجوز للمكلف تقليد الشيخ الفياض في المسألة حتى لو فرضنا أن السيد الخميني – مع فرض وجوده – يفتي بالحرمة .
نعم ليس لمقدي السيد الخوئي في هذا الفرع من المسألة العدول إلى الشيخ الفياض في المسألة و الأخذ بالحكم الترخيصي الذي يقول به إذا كان السيد الخوئي يحتاط احتياطاً وجوبياً في المسألة ، إذ ما دام السيد الخميني – وفرضنا وجوده – يفتي في المسألة ، فإنه يجب على المكلف الأخذ بأحوط الأقوال ، وهو قول السيد الخميني ، فيحرم عليه العقد حينئذ على تلك المرأة . .
مسألة ۱۰ : إذا قلّد من ليس أهلاً للفتوى وجب العدول عنه إلى من هو أهل لها ، و كذا إذا قلّد غير الأعلم وجب العدول إلى الأعلم مع العلم بالمخالفة بينهما ، و كذا لو قلّد غير الأعلم ثم صار غيره أعلم .
*************
( إذا قلّد من ليس أهلاً للفتوى )
كما إذا قلّد شخصاً لا تتوفر فيه شروط المرجعية بسبب عدم اطلاعه أو جهله أو تاثره بغير أصحاب الخبرة ، أو لأي سبب آخر من مثل التقليد على أساس كثرة التاليف أو لتناسبه مع المزاج وما شابه ذلك .
( وجب العدول عنه إلى من هو أهل لها )
أي يجب عليه في هذه الحالة أن ينتقل بتقليده إلى من تجتمع فيه المواصفات الشرعية .
( و كذا إذا قلّد غير الأعلم )
إذا كان يقلّد عالماً فاضلاً مجتهداً معتقداً أنه أعلم الفقهاء ، ثم تبيّن له أن هناك مرجعاً آخر هو الأعلم من الناحية الفقيهة ، فإنه يجب عليه الانتقال بتقليده إلى الأعلم .
( و كذا لو قلّد غير الأعلم ثم صار غيره أعلم . )
أي لو كان شخص يقلّد شخصاً هو الأعلم ، ثم بعد فترة من الزمن صار غير هذا الشخص أعلماً ، فيجب عليه الانتقال إلى تقليد من صار أعلماً . لو قلّد شخص مرجعاً ( فعلاً أو مشكوك في مرجعيته ) أو قلّد من ليس بمرجع أو بقي على تقليد الميت غفلة ، ثم رجع إلى مرجع مُعتبر جامع للشروط ، فما حكم أعماله السابقة التي عملها قبل رجوعه إلى المجتهد الجامع للشرائط ؟
المسائل رقم ۱۷ و و ۱۱ و ۱۲ و ۱۳ ـ تجيب عن هذا السؤال ، و لنقدّم المسألة رقم ۱۷ أولاً :
*******************
مسألة ۱۷ : إذا قلّد المجتهد و عمل على رأيه ، ثم مات ذلك المجتهد فعدل إلى المجتهد الحي ، فلا إشكال في أنه لا تجب عليه إعادة الأعمال الماضية التي كانت على خلاف رأي الحي فيما إذا لم يكن الخلل فيها موجباً لبطلانها مع الجهل القصوري ، كمن ترك السورة في صلاته اعتماداً على رأي مقلّده ثم قلّد من يقول بوجوبها فإنه لا تجب عليه إعادة ما صلاّها بغير سورة ، بل المختار أنه لا تجب إعادة الأعمال الماضية و يجتزئ بها مطلقاً حتى في غير هذه الصورة .
*****************
( إذا قلّد المجتهد و عمل على رأيه )
فلو قلّد الشخص السيد الخوئي قدس سره و عمل بفتاواه مما قد تعرّض للإبتلاء به من مسائل شرعية .
( ثم مات ذلك المجتهد فعدل إلى المجتهد الحي )
فبعد موت السيد الخوئي عدل عن تقليده إلى تقليد الفقيه الحي كالسيد السيستاني – و كان العدول على أساس ثبوت أعلمية السيد السيستاني من خلال الوسائل المعتمدة لتشخيص الأعلمية –
( فلا إشكال في أنه لا تجب عليه إعادة الأعمال الماضية التي كانت على خلاف رأي الحي فيما إذا لم يكن الخلل فيها موجباً لبطلانها مع الجهل القصوري ، كمن ترك السورة في صلاته اعتماداً على رأي مقلّده ثم قلّد من يقول بوجوبها فإنه لا تجب عليه إعادة ما صلاّها بغير سورة ، بل المختار أنه لا تجب إعادة الأعمال الماضية و يجتزئ بها مطلقاً حتى في غير هذه الصورة .)
فبعد عدول الشخص من تقليد السيد الخوئي إلى تقليد السيد السيستاني ، فهل يجب على الشخص أن يعيد الأعمال التي قام بها طبقاً لرأي السيد الخوئي و كان السيد السيستاني بقول بخلافها أم لا ؟
الجواب :
لا يجب إعادة الأعمال الماضية إذا كانت تتوافق مع رأي السيّدين .
بل ولا يجب إعادة الأعمال التي أتى بها لحيثية معينة طبقاً لرأي السيد الخوئي و يرى السيد السيستاني عدم صحة تلك الأعمال لو صدرت من شخص لتلك الحيثية ، و كان العمل بهذه الحيثية حسب رأي السيد السيستاني تؤدي إلى بطلان العمل لو كان الشخص يقلّد السيستاني .
فمثلاً لو فرضنا أن رأي السيد السيستاني هو وجوب قراءة السورة بعد الفاتحة ، فإن من كان يقلد السيد السيستاتي لو ترك قراءة السورة عمداً ( حيثية العمد ) فإنه تبطل صلاته ، ولو تركها لجهل تقصيري – إذ كان بإمكانه التعلم و السؤال ولكنه يتكاسل في ذلك – فإنه أيضاً تبطل صلاته ، و أما لو تركها لجهل قصوري فإنه لا تبطل الصلاة لعدم كون السورة من الأركان التي إذا أخل بها المكلف بطلت صلاته و إنما هي جزء واجب فقط .
فهنا لو كان الشخص يقلد السيد الخوئي و كان السيد الخوئي يرى عدم وجوب السورة ( ليس هذا هو رأيه فعلاً ) ، و كان الشخص يترك قراءة السورة بعد الفاتحة في الصلاة ، ثم توفي السيد الخوئي ، و رجع الشخص بعد وفاة السيد إلى السيد السيستاني لثبوت أعلميته على السيد الخوئي ، فإنه لا يجب على ذلك المكلف أن يعيد الصلاة التي صلاها بدون قراءة السورة ، لأن تركه قراءة السورة يعتبر بحسب رأي السيد السيستاني تركاً قصورياً ، إذ أنه استند إلى قول مرجع معتبر و إن كان بحسب رأي السيد السيستاني لا يعتبر ذلك الرأي راياً معتبراً ، ولكنه يعتبر العامل بذلك الرأي ( رأي السيد الخوئي ) جاهلاً قصورياً ، و اعتبار ذلك جاهلاً قصورياً بحسب رأي السيد لكون قراءة السورة واجبة و ليس وجوب الاتيان بها ركن ، فيعذر الجاهل فيها و لو كان جهله مستنداً إلى قول المرجع الأول ( السيد الخوئي )
بل و نقول أزيد من هذا ، و أنه لا يجب إعادة الأعمال مطلقاً حتى ولو كان قد ترك المكلف شرطاً أو جزءاً من الأركان يؤدي الاخلال به إلى الاخلال بالعمل ( كالصلاة ) حسب رأي السيد السيستاني ، و إن كان ترك ذلك الجزء أو الشرط حسب رأي السيد الخوئي غير مبطل للعمل ،
فلو فرضنا ( هذا الفرض غير صحيح ) أن السيد الخوئي يرى صحة الوضوء إذا خلط المكلف بلل الأعضاء بعضها ببعض قبل أن يمسح رأسه و رجليه ، و يرى السيد السيستاني أنه لا يجوز خلط بلل الأعضاء بعضها ببعض في الوضوء قبل المسح ، فإنه بعد رجوع المكلف إلى السيد السيستاني لا يجب عليه إعادة الأعمال المترتبة على هذا الوضوء و التي حصلت بعده من صلاة وغيرها ، حتى و لو كان الخلل في الوضوء لا يُعذر فيه المكلف مطلقاً عند السيد السيستاني ، إذ ما دام قد استند إلمكلف إلى مرجع معتبر صحّح له ذلك ، فإنه لو رجع لغيره و كان رأي ذلك الغير ( أي المجتهد الثاني ) يقول ببطلان الوضوء و أن المكلف غير معذور في ذلك مطلقاً حتى مع الجهل القصوري فضلاً عن غيره .
مسألة رقم ۱۱ :
إذا قلّد مجتهداً ثم شك في أنه كان جامعاً للشروط أم لا وجب عليه الفحص ، فإن تبيّن أنه كان جامعاً للشروط بقي على تقليده ، وإن تبيّن أنه كان فاقداً لها أو لم يتبيّن له شيء عدل عنه إلى غيره .
و أما أعماله السابقة :
فإن عرف كيفيتها رجع في الاجتزاء بها إلى المجتهد الجامع للشروط ، فمع مطابقة العمل لفتواه يجتزئ به ، بل يحكم بالاجتزاء في بعض موارد المخالفة أيضاً ، كما إذا كان تقليده للأول عن جهل قصوري و أخلّ بما لا يضر الاخلال به لعذر ، كالإخلال بغير الأركان من الصلاة ، أو كان تقليده له عن جهل تقصيري و أخل بما لا يضر الإخلال به إلا عن عمد كالجهر و الاخفات في الصلاة .
و أما إن لم يعرف كيفية أعماله السابقة فيمكنه البناء على صحتها إلا في بعض الموارد ، كما إذا كان بانياً على مانعية جزء أو شرط و احتمل الاتيان به غفلة ، بل حتى في هذا المورد إذا لم يترتب على المخالفة أثر غير وجوب القضاء فإنه لا يُحكم بوجوبه .
*****************
( إذا قلّد مجتهداً ثم شك في أنه كان جامعاً للشروط أم لا وجب عليه الفحص )
إما أن يكون الفحص مباشرة إذا كان المكلف من اهل الخبرة ، او يرجع في فحصه إلى أهل الخبرة .
( وإن تبيّن أنه كان فاقداً لها أو لم يتبيّن له شيء عدل عنه إلى غيره . )
أي إن عرف أنه غير أهل للتقليد ، أو لم يعرف إن كان أهلاً للتقليد أو غير أهل للتقليد ، فلا يصح له البقاء على تقليده ، لأن من شرائط صحة التقليد أن يعلم بكونه أهلاً للتقليد ، و مع عدم علمه فيكون شرط التقليد غير متحقق ، فعليه الانتقال بتقليده إلى غيره ممن توفر ت فيه الشرائط .
( و أما أعماله السابقة :
فإن عرف كيفيتها )
فأعماله العبادية وغيرها – إذا كانت قد صدرت منه طبقاً لتقليد ذلك المشكوك في جامعيته للشرائط – إن تذكّر ما عمله و عرف الكيفية التي أتى بها لهذه الأعمال و تفاصيلها .
( رجع في الاجتزاء بها إلى المجتهد الجامع للشروط ، فمع مطابقة العمل لفتواه يجتزئ به )
بمعنى أنه يأخذ راي المجتهد الذي يجب عليه تقليده و الذي تتوفر فيه شروط المرجعية ، فإن وافقت أعمال المكلف و التي يتذكر تفاصيلها رأي ذلك المرجع برئت ذمته و صارت أعماله السابقة مجزئة ولا يطالب بإعادتها ولا يقال له بأن أعمالك لا يترتب عليها الأثر المطلوب .
( بل يحكم بالاجتزاء في بعض موارد المخالفة أيضاً ، كما إذا كان تقليده للأول عن جهل قصوري و أخلّ بما لا يضر الاخلال به لعذر ، كالإخلال بغير الأركان من الصلاة ، أو كان تقليده له عن جهل تقصيري و أخل بما لا يضر الإخلال به إلا عن عمد كالجهر و الاخفات في الصلاة . )
بل إننا نصحح أعماله و نقول بترتب الأثر عليها حتى في حال عدم توافقها مع رأي المرجع الجديد الذي يجب عليه تقليده ، إذا كانت المخالفة بين ما عمله سابقاً و بين رأي المرجع الذي يجب عليه تقليده على هذين النحوين :
أ – إذا كان تقليده – الذي حصلت بسببه المخالفة لراي المرجع الجديد – كان عن جهل قصوري ، بأن قلّده بسبب عدم اطلاعه أو جهله أو تاثره بغير أصحاب الخبرة أو لأي سبب آخر ، و قد عمل ذلك المكلف بآراء ذلك المرجع الأول الذي ثبت أنه غير جامع للشرائط ، و كان عمله قد حصل فيه خلل بسبب رجوعه إلى ذلك المرجع الأول ، و لكن ذلك الخلل لم يتحقق في الأركان و إنما في غير الأركان ، كأن ترك قراءة السورة بناءً على راي ذلك المرجع الأول ، فإن ترك السورة لا يضر بالصلاة ما دام تركها كان عن جهل قصوري ، وسببه تقليد ذلك المرجع غير الجامع للشرائط ، فحتى لو فرضنا بأن راي المرجع الجديد الذي يجب تقليده هو وجوب قراءة السورة ، إلا أنه ليست من الاركان ، وبالتالي يصح عمله .
ب – إذا كان تقليده عن جهل تقصيري ، بحيث كان بإمكانه تحصيل العلم و السؤال من أهل الخبرة ، إلا أنه كان يعاند في ذلك ، و قد عمل بآراء ذلك المرجع غير الجامع للشرائط وحصل خلل في الأعمال ، فإنه لا يحكم بصحة أعماله عند تحقق الخلل ، إلا إذا كان الخلل في غير الاركان و قد أخل بها سهواً أو جهلاً بالحكم الشرعي ولم يكن عن عمد ، إذ الاخلال بغير الأركان لا يبطل العمل إلا إذا كان الشخص متعمداً للإخلال به ، فلو جهر في موضع الاخفات أو أخفت في موضع الجهر ، أو ترك جلسة الاستراحة – بناءً على وجوبها – و ماشابه ذلك .
( و أما إن لم يعرف كيفية أعماله السابقة فيمكنه البناء على صحتها )
بمعنى أنه لم يعرف أو يتذكر تفاصيل ما قام به من أعمال شرعية كي يطابقها مع رأي المرجع الذي يجب عليه تقليده ، لتحديد ما إذا كانت صحيحة أم لا ، ففي هذه الحالة يحكم بالصحة .
( إلا في بعض الموارد ، كما إذا كان بانياً على مانعية جزء أو شرط و احتمل الاتيان به غفلة )
بعد أن حكم السيد السيستاني بصحة أعماله السابقة في حال جهله بكيفيتها ، استثنى بعض الموارد ، كما إذا افترضنا أن ذلك المكلف قد ترك الجهر بالفاتحة والسورة اعتماداً على فتوى ذلك المرجع غير الجامع للشرائط الذي يوجب الاخفات حتى في صلاة الظهر من يوم الجمعة ، و لكنه يحتمل فيما مضى من صلواته أنه قد غفل و جهر في قراءته في بعض صلوات الظهر من يوم الجمعة ، و لكنه لا يعلم بحصول ذلك ولا يتذكر أن هذا الشيء قد حصل ، و إنما هو مجرد احتمال ، ولكنه لمّا أن رجع إلى تقليد الجامع للشرائط اكتشف أن هذا المرجع الجديد يفتي بوجوب الجهر في صلاة الظهر من يوم الجمعة بالنسبة لسورة الفاتحة و السورة التي بعدها ، فإنه قد يقال بأن صلاته باطلة ، لأنه قد يحتمل الجهر و يحتمل عدم الجهر ، ومع شكه هذا ( لأن مرجع الاحتمال في الأخير إلى الشك ) فإنه يُحكم بعد تحقّق الجهر منه في الصلاة ، و بما أنه اتضح أن تقليده ليس بصحيح – إذ يقلّد غير الجامع لشروط الفتوى – ، و مع الشك في صحة عمله هذا ، فلا يمكن الحكم بصحة تلك الصلاة من ذلك اليوم ، فإن كان الوقت باقياً أعادها ، و إن خرج الوقت وجب قضاء تلك الصلوات ( صلوات الظهر من يوم الجمعة ) التي يحتمل فيها أنه قد أخفت في قراءتها .
و لكنه يقول :
( بل حتى في هذا المورد إذا لم يترتب على المخالفة أثر غير وجوب القضاء فإنه لا يُحكم بوجوبه )
فإنه حتى في هذا المورد لا يحكم ببطلان العمل ، إذ اقصى ما يترتب على ذلك العمل المأتي به غفلة – كما هو في مثالنا ( الجهر بالقراءة في صلاة الظهر من يوم الجمعة ) – من أثر هو قضاء الصلاة ، و هذا يمكن القول بعدم وجوبه ، و نقول بصحة العمل ، بناءً على أنه قد فرغ من العمل مع كونه شاكاً في تحقق ذلك و أنه يحتمل الجهر و يحتمل عدم الجهر ، و من فرغ من عمله حينئذ فإنه يُحكم بصحة عمله حتى مع كونه غافلاً و شاكاً في أنه أتى بالعمل صحيحاً أو خاطئاً .
مثال ثان :
بعد أن حكم السيد السيستاني بصحة أعماله السابقة في حال جهله بكيفيتها ، استثنى بعض الموارد ، كما إذا افترضنا أن ذلك المكلف قد كان يعتقد و يبني على أن قراءة سورتي الضحى و ألم نشرح يعد قراناً بين سورتين وهو ممنوع عنده لاعتقاده ذلك طبقاً لفتوى ذلك المرجع الذي قلّده ولكنه يحتمل أن قرن بين السورتين من باب الغفلة عند قراءته لإحدى السورتين ، ولكنه لما أن رجع إلى تقليد الجامع للشرائط اكتشف أن هذا المرجع الجديد يفتي بوجوب الاتيان بكلتا السورتين و عدم الاكتفاء بواحدة ، فإنه يظهر كأن السيد يفتي ببطلان العمل .
و لكن السيد لم يقل ببطلان العمل ، فإنه حتى في هذا المورد لا يحكم ببطلان العمل ، إذ اقصى ما يترتب على ذلك العمل المأتي به غفلة – وهو في مثالنا الاتيان بقراءة السورتين – لو كان تقليده الأول صحيحاً و ترتب الأثر عليه ، لكان الأثر هو قضاء الصلاة ، و هذا يمكن القول بعدم وجوبه ، و نقول بصحة العمل .
مثال ثالث : لو كان يعتقد بأن الجهر بالبسملة للرجل في الصلاة الجهرية في الركعتين الأوليين غير جائز و أنه مانع من صحة الصلاة ، و كان ذلك الاعتقاد ناشئ من تقليد عالم من أبناء العامة ، إذ كان يتصور عدم الفرق في التقليد بين فقهاء العامة و الخاصة – تأثراً بالاعلام و قضية الوحدة الاسلامية – ثم اتضح له عدم صحة تقليد من لم تجتمع فيه الشروط ( و أن من الشروط هو الايمان ) ثم رجع إلى تقليد من تجتمع فيه الشروط ، و هذا المرجع الجديد من علماء المذهب الخاصة ، و رأيهم معروف في مسألة البسملة و وجوب الجهر بالبسملة للرجل في الصلاة الجهرية ، ولا شك أن الجهر بالبسملة جزء من الصلاة ، فحينئذ قد يقال ببطلان صلاته ، إلا أن السيد السيستاني قال بعدم بطلان صلاته حتى في هذا المورد ، لأن أقصى ما يترتب هو قضاء الصلاة ، وهو يمكن التخلص منه ببركة القواعد الشرعية الواردة في المقام من مثل قاعدة لا تعاد الصلاة .
نعم يجب إعادة الأعمال في حال الإخلال بالأركان ، كما لو ترك تكبيرة الاحرام جهلاً أو نسياناً ، و كان مقلّده الأول يقول مثلاً بعدم بطلان الصلاة بترك تكبيرة الاحرام جهلاً بالحكم أو نسياناً لها ، من حيث أنه لا يعتبرها ركناً ، بل هي واجب و جزء تبطل الصلاة بتركه عمداً فقط ، ثم رجع إلى من يقول بركنية تكبيرة الاحرام ، و أن الاخلال بها مطلقاً مبطل للصلاة .
و كذلك فيما لو أخل بالطهارة ، كما إذا ترك الوضوء مع الغسل المستحب بناءً على عدم وجوبه حسب تقليده الأول غير الصحيح ، ثم رجع إلى من يقول بوجوب الوضوء مع الغسل المستحب ، فإنه يجب عليه إعادة كل الصلوات التي أعقبت هذا الغسل ، لأن الطهارة شرط أساسي لا يعذر فيه الجاهل ولا الناسي .
مسألة ۱۲ : إذا بقي على تقليد الميت – غفلة أو مسامحة – من دون أن يقلّد الحي في ذلك كان كمن عمل من غير تقليد ، و عليه الرجوع إلى الحي في ذلك ، و التفصيل المتقدم في المسألة السابقة جارٍ هنا أيضاً .
**************
( إذا بقي على تقليد الميت – غفلة أو مسامحة – من دون أن يقلّد الحي في ذلك )
كما هو الحال عند الكثيرين ممن يبقون على تقليد المرجع الذي يقلدونه بعد وفاته دون مراجعة أعلم الأحياء في هذه المسألة .
( و عليه الرجوع إلى الحي في ذلك )
لأنه يجب عليه الرجوع إلى أعلم الأحياء بمجرد موت المجتهد الذي نقلده لمعرفة رأي الحي .
( و التفصيل المتقدم في المسألة السابقة جارٍ هنا أيضاً . )
جميع ما مر من تفصيل في المسألة ۱۱ يجري هنا ، فراجع و تأمل .
******************
مسألة ۱۳ : إذا قلّد من لم يكن جامعاً للشروط ، و التفت إليه بعد مدة ، فإن كان معتمداً في ذلك على طريق معتبر شرعاً و قد تبيّن خطؤه لاحقاً كان كالجاهل القاصر و إلا فكالمقصّر ، و يختلفان في المعذورية وعدمها ، كما قد يختلفان في الحكم بالإجزاء و عدمه ، حسبما مرّ بيانه في المسألة الحادية عشر .
*****************
( إذا قلّد من لم يكن جامعاً للشروط و التفت إليه بعد مدة ، فإن كان معتمداً في ذلك على طريق معتبر شرعاً و قد تبيّن خطؤه لاحقاً كان كالجاهل القاصر و إلا فكالمقصّر )
كما لو قد قلّد شخصاً دون استناد إلى دليل شرعي معتبر ، بل نتيجة تأثّر عاطفي أو إعلامي مثلاً ، ثم تبيّن له أنه ليس أهلاً للتقليد ، و قد يكون قد اعتمد على دليل شرعي معتبر كالبينة ، ثم انكشف خطأ تلك البينة ، فإن كان التقليد بحسب الطريق الثاني ( البينة التي بان خطؤها ) فإن هذا الشخص يعتبر قاصراً ، و إن كان بحسب الطريق الأول ( التأثر العاطفي أو الاعلامي ) فإن ذلك الشخص يعتبر مقصراً .
( و يختلفان في المعذورية وعدمها ، كما قد يختلفان في الحكم بالإجزاء و عدمه ، حسبما مرّ بيانه في المسألة الحادية عشر . )
فالقاصر يحكم بصحة عمله في بعض موارد المخالفة ، و ذلك فيما إذا كان الاخلال الذي حصل منه في بعض الأعمال هو إخلال لا يضر بالعمل كما إذا كان الاخلال الحاصل بعذر شرعي كالاخلال بغير الأركان من الصلاة ، وقد تركها اعتماداً على فتوى هذا المرجع غير الجامع للشرائط كما تقدم شرحه .
و أما الثاني فلا يحكم بصحة عمله عند المخالفة ، إلا إذا كان الاخلال الحاصل من قبله في العمل لا يوجب البطلان إلا عن عمد ، كالجهر و الاخفات في الصلاة إذا أخل بهما ، وقد شرحنا ذلك مفصلاً في المسالة رقم ۱۱ ، فتأمل . مسألة ۱۴ : لا يجوز العدول إلى الميت – ثانياً – بعد العدول عنه إلى الحي و العمل مستنداً إلى فتواه ، إلا إذا ظهر أن العدول عنه لم يكن في محله ، كما لا يجوز العدول من الحي إلى الحي إلا إذا صار الثاني أعلم أو لم يعلم الاختلاف بينهما .
***************
( لا يجوز العدول إلى الميت – ثانياً – بعد العدول عنه إلى الحي و العمل مستنداً إلى فتواه )
لو كان شخص يقلّد مثلاً المقدس السيد محسن الحكيم ، و توفي ، و عدل الشخص عن تقليده إلى الفقيه الحي ، و لنفرض أن ذلك الفقيه الحي هو المقدس الشيخ حسين الحلي ، و قد عمل برأي الشيخ حسين الحلي سواء كان الاستناد إلى الفتوى قبل العمل أو بعده ، فإنه لا يجوز له أن يعدل عن تقليد الشيخ حسين الحلي ( الذي هو في الفرض هو الفقيه الحي ) إلى السيد محسن الحكيم .
( إلا إذا ظهر أن العدول عنه لم يكن في محله )
كأن عدل إلى تقليد الشيخ حسين الحلي و لم يكن عدوله قائماً على مستند صحيح ، حيث لم تثبت أعلميته على السيد الحكيم – كما مر توضيحه و سيأتي تفصيله أيضاً –
( كما لا يجوز العدول من الحي إلى الحي إلا إذا صار الثاني أعلم أو لم يعلم الاختلاف بينهما . )
فلو كان المكلف يقلّد شخصاً ثم رغب بالانتقال عنه من تقليده إلى تقليد شخص آخر فلا يجوز ذلك إلا إذا حصل له التأكد من كون الثاني هو الأعلم ، أو لم يثبت له اختلافهما في الفتاوى التي يبتلى بها المكلف في حياته الخاصة و العامة ، فإنه يجب عليه تقليد الثاني في حال حصول ثبوت أعلمية الثاني ، أو يجوز الانتقال إلى إلى الثاني في الحالة الثانية .
مسألة ۱۵ : إذا توقّف المجتهد عن الفتوى في مسألة أو عدل من الفتوى إلى التوقّف ، تخيّر المقلّد بين الرجوع إلى غيره – وفق ما سبق – والاحتياط إن أمكن .
*************
( إذا توقّف المجتهد عن الفتوى في مسألة أو عدل من الفتوى إلى التوقّف )
أي إذا لم يكن للمجتهد فتوى في مسألة معيّنة بحيث أنه بحث في المسألة و لم يتوصل إلى نتيجة جزمية في المسألة – و كان عدم جزمه بسبب عدم كون الدليل على المسألة تاماً ، أو كون الدليل تاماً إلا أنه اعترضت الدليل حيثية منعت من الأخذ به – و تفصيل هذا الأمر ليس هنا موضعه – أو كان قد أفتى في مسألة ما و كان عنده الدليل آنذاك تاماً ، إلا أنه اكتشف أن ما جزم به لم يكن تاماً ، فعدل من الافتاء إلى التوقف عن الفتوى ، وهو ما يعبّر عنه الفقهاء بكون الأمر فيه تأمل و إشكال ، وهذا عادة يصاغ بعبارة ( فيه إشكال ، فيه تأمل ، الأحوط وجوباً ، الأحوط لزوماً ، لا يترك الاحتياط .. )
( تخيّر المقلّد بين الرجوع إلى غيره – وفق ما سبق – والاحتياط إن أمكن . )
فهنا في هذه الحالة يكون المكلف مخيّراً بين :
إما أن يرجع إلى من يفتي في المسألة و يجزم بها بدون توقفٍ و تأمل و إشكال — مع ملاحظة أن يرجع إلى الأعلم بعد مرجع تقليده الأول ، أو أن الفقهاء بعد المرجع الأول هم متساوون في الأعلمية و لم يكن أحدهم أورع في مقام الافتاء ، فإنه يرجع إلى تقليد يشاء منهم ما لم يقترن ذلك بعلم إجمالي في المقام نشأ من أقوال هؤلاء الفقهاء المتساوين ، وأما إذا نشأ من أقوالهم علم إجمالي يثبت التكليف ( و بحسب تعبيرهم : علم اجمالي منجّز ) فإن الأحوط وجوباً العمل مراعياً مقتضى الاحتياط فيهما كما في مثال القصر و التمام ، وقد مر شرح ذلك —
و إما أن يحتاط في المسألة و يبقى على ما قال فيه مرجعه بالاحتياط ولا يعدل فيه إلى غير مرجعه .
ولا شك أن توقف الفقيه ليس افتاءً كما هو اضح .
******************
قد ذكرنا مثالاً في مسألة زواج الزاني من المرأة المزني بها وهي على ذمة زوجها مع اختلاف الفقهاء ، فراجع .
و نطرح مثالاً آخر :
لو أن السيد الخوئي قد احتاط احتياطاً وجوبياً في مسألة حلق اللحية ، فإن المكلف مخير بين أن يعمل بهذا الاحتياط ولا يحلق لحيته ، أو أن يرجع إلى فقيه آخر ، فبناءً على رأي السيد السيستاني يرجع إلى الأعلم فالأعلم ، فإن لم يحصل للمكلف علم بكون أحد الفقهاء أنه الأعلم ، بل ثبت له أنهم متساوون في الأعلمية أو لم يتضح له شيء عن ثبوت أعلمية أحد ، ولم يكن أحدهم أورع في مقام الافتاء ، فإنه يمكن أن يقلّد من يشاء من الفقهاء الذي تجتمع فيهم شروط المرجعية ممن يتبنّى الرأي الترخيصي القائل بحلية حلق اللحية حتى ولو وجد من يقول بعدم جواز حلقها على نحو الفتوى من هؤلاء الفقهاء بعد مرجعه الأول الأصلي . مسألة ۱۶ : إذا قلّد مجتهداً يجوّز البقاء على تقليد الميت مطلقاً أو في الجملة ، فمات ذلك المجتهد لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة ، بل يجب الرجوع فيها إلى الاعلم من الاحياء.
وإذا قلّد مجتهداً فمات فقلّد الحي القائل بجواز العدول إلى الحي ، أو بوجوبه مطلقاً ، او في خصوص ما لم يتعلّمه من فتاوى الأول ، فعدل اليه ثم مات ، يجب الرجوع في هذه المسألة الى أعلم الاحياء ، والمختار فيها وجوب تقليد أعلم الثلاثة مع العلم بالاختلاف بينهم في الفتوى ـ كما هو محل الكلام ـ فلو كان المجتهد الأول هو ـ الأعلم في نظره ـ من الآخرين لزمه الرجوع الى تقليده في جميع فتاواه .
*******************
( إذا قلّد مجتهداً يجوّز البقاء على تقليد الميت مطلقاً أو في الجملة )
لو أن شخصاً قلّد السيد الخميني – – القائل في فتواه : يجوز البقاء على تقليد الميت – بعد تحققه بالعمل ببعض المسائل – مطلقاً ولو في المسائل التي لم يعمل بها على الظاهر – – أو قلّد السيد حسين البروجردي – – القائل في فتواه : الأقوى جواز البقاء على تقليد في المسائل التي عمل بها المقلّد – – ، ثم مات ذلك المجتهد ( السيد الخميني أو السيد البروجردي في مثالنا ) ، فإنه لا يجوز البقاء على تقليده في هذا المسألة ( مسألة جواز البقاء على تقليد الميت كلاً أو بعضاً ) ، بل يجب الرجوع فيها إلى الأعلم من الفقهاء الأحياء ، حتى يُحدّد للمكلف وظيفته ، إذ لا يصح الرجوع للميت المفتي ( وهو في مثالنا السيد الخميني أو السيد البروجردي ) في مسالة جواز البقاء للبقاء على تقليد نفسه ، بل لا بد من الرجوع إلى غيره من أعلم الأحياء .
( وإذا قلّد مجتهداً فمات فقلّد الحي القائل بجواز العدول إلى الحي ، أو بوجوبه مطلقاً ، او في خصوص ما لم يتعلّمه من فتاوى الأول ، فعدل اليه ثم مات ، يجب الرجوع في هذه المسألة الى أعلم الاحياء )
فلو أن المكلف كان يقلّد السيد الخوئي ، و توفي بعد ذلك ، ثم رجع المكلف إلى مجتهد حي آخر ( كالسيد الكلبيكاني – إذا افترضنا حياته ) و الذي يفتي بجواز العدول و عدم وجوب البقاء على تقليد الميت ، أو رجع إلى الحي الذي يفتي بوجوب العدول من الميت إلى الحي ( كما لو رجع للشيخ النائيني – إذا فترضنا حياته – والذي يُحرّم البقاء على تقليد الميت و يوجب العدول عن تقليد الميت إلى تقليد الحي ) أو رجع إلى الحي الذي يفتي بوجوب البقاء في خصوص ما تعلّمه من المسائل من ذلك المرجع اليمت دون غيرها من المسائل التي يجب العدول فيها إلى الحي ، فلو توفي أحد هؤلاء الذين ذكرنا آراءهم و الذين عدل المكلف إلى أحدهم بعد موت السيد الخوئي ، فإنه يلزم عليه – بحسب رأي السيد السيستاني – أن يرجع في مسألة البقاء إلى الأعلم من المراجع الأحياء ، و لا يجوز له أن يبقى على تقليد المرجع الثاني أو يعدل عنه بنفس فتواه ، إذ لا حجية ولا شرعية لفتواه حينئذ ، و إنما لا بد في هذه المسألة من الرجوع للحي الأعلم ، إذ هو الذي تكتسب فتواه الشرعية و الحجية .
( والمختار فيها وجوب تقليد أعلم الثلاثة مع العلم بالاختلاف بينهم في الفتوى ـ كما هو محل الكلام ـ فلو كان المجتهد الأول هو ـ الأعلم في نظره ـ من الآخرين لزمه الرجوع الى تقليده في جميع فتاواه . )
و إذا فرضنا أن المجتهد الثالث —- بعد موت المجتهد الأول ( و هو السيد الخوئي ) و موت المجتهد الثاني ( و الذي هو السيد الكلبيكاني أو الشيخ النائيني … ) —- هو السيد السيستاني – و الذي قد نعتبره الأعلم من المراجع الأحياء فرضاً و من باب المثال – ، فإن السيد السيستاني يقول لمن كان من مقلّدي المرجع الأول ( و هو في الفرض و المثال السيد الخوئي ) ثم عدلوا إلى إلى المرجع الثاني ( و هو في الفرض السيد الكلبيكاني أو الشيخ النائيني ) أن يرجعوا في التقليد إلى أعلم الثلاثة – سواء هو المرجع الأول ( السيد الخوئي ) أو هو المرجع الثاني ( السيد الكلبيكاني ) أو هو المرجع الثالث ( السيد السيستاني ) ، و طبعاً هذا الرجوع إلى أعلم الثلاثة يتحدد بالوسائل التي تعيّن الأعلم من الثلاثة المراجع ( المرجعين الميّتين و المرجع الحي ) .
فإن تحدّد أن الأعلم هو الأول رجع لتقليد الأول ( وهو في الفرض السيد الخوئي ) و إن كان هو الثاني رجع إليه ، وإن كان هو الثالث وهو الحي رجع إليه .
****************
المسألة اللاحقة هي مسالة رقم ۱۸ ، و قد تقدم شرح المسألة رقم ۱۷ .
وهذه بعض الاستفتاءات المتعلقة بالبقاء على تقليد الميت إذا رجع إليه بعد مرجعه الأصلي في المسائل الاحتياطية :
هذا الاستفاء من كتاب الفوائد الفقيهة :
س ۱۱۷ : هل يجوز البقاء على تقليد الميت الأعلم إذا كان قد رجع إليه حال حياته في مسألة احتياطية للأعلم منه آنذاك أو مسألتين فقط ؟
ج : إذا خصّ تقليده له ببعض المسائل بقي على تقليده فيها فقط .
وهذا الاستفتاء الآخر من الاستفتاءات الخطية الواردة من النجف :
السؤال : ذكرتم وجوب البقاء على تقليد الأعلم ممن قلّدهم المكلف ، فهل يسري هذا القول للأعلم ممن قلّدهم من الأموات بالنسبة للمسائل الاحتياطية ، أم أنه يرجع لكم فيها مباشرة ؟
الجواب : إذا رجع المكلف في المسألة الاحتياطية لمقلده الأعلم إلى فتوى غيره مع مراعاة الأعلم فالأعلم سواء في أيام حياته أو بعد وفاته لزم البقاء على تقليده ، إلا مع كون الحي أعلم منه أو صيرورته كذلك .
مسألة ۱۸ : يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشروطها ، ويكفي أن يعلم إجمالاً أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء والشروط ، ولا يلزم العلم تفصيلاً بذلك ، وإذا عرضت له في أثناء العبادة مسألة لا يعرف حكمها جاز له العمل على بعض الاحتمالات ، ثم يسأل عنها بعد الفراغ ، فإن تبينت له الصحة اجتزأ بالعمل ، وإن تبين البطلان أعاده .
*************************
( يجب تعلم أجزاء العبادات الواجبة وشروطها )
الدليل الشرعي ينص على وجوب التفقّه في الدين و تعلّم أحكام الشريعة ، و أن عمل الجاهل باطل ، وقد مر علينا في المسألة رقم ۲ معنى البطلان و أنه لا يصح لمن يأتي بالأعمال بدون تقليد أن يرتّب الآثار على العمل ، وعليه فلا بد للمكلف للتخلّص من عدم ترتيب اثر عمله و حتى لا يصبح عمله لاغياً و لا أثر له :
إما أن يحتاط – إن أمكن – بأن يأتي بكل ما يحتمل دخالته من الأجزاء و الشروط ، ويترك كل ما هو مانع – و قد تحدثنا عن الاحتياط في ما سبق في المسألة رقم ۳ – .
و إما أن يتعلّم فتوى من يكون قوله حجة في حقه حين إرادته القيام بالعمل الواجب في ذمته و الثابت في حقه ، كما هو الحال في واجبات الصلاة و شروطها و موانعها ، و بقية الأعمال العبادية من الصوم و الحج ، و لاشك أن التعلّم إنما هو للتأكد و التثبّت من صحة العمل ، و العلم خير من الجهل .
( ويكفي أن يعلم إجمالاً أن عباداته جامعة لما يعتبر فيها من الأجزاء والشروط ، ولا يلزم العلم تفصيلاً بذلك )
و هذا التعلّم لفتوى من يجب عليه تقليده ، لا يشترط فيه العلم التفصيلي بكل تفاصيل المسائل المتعلقة بهذه العبادات ، بل يكفي فيه أن يعلم علماً إجمالياً بأن هذه العبادات التي يقوم بها موافقة في الجملة لفتاوى من يجب عليه تقليده .
بل إنه لو عصى و ترك التعلّم للحكم الشرعي الواجب عليه تعلّمه و عمل بالعمل العبادي ، ثم اتضح له أن عمله موافق لما يفتي به مرجعه الذي يجب عليه تقليده كفى ذلك ، وقد مرّ علينا شرح ذلك في المسألة رقم ۴ .
( وإذا عرضت له في أثناء العبادة مسألة لا يعرف حكمها جاز له العمل على بعض الاحتمالات ، ثم يسأل عنها بعد الفراغ ، فإن تبينت له الصحة اجتزأ بالعمل ، وإن تبين البطلان أعاده . )
بل إنه لو عرضت له مسألة في العبادة و كانت تلك العبادة مما لايجوز قطعها – كالصلاة مثلاً – ( إما أن يكون القطع حراماً كما هو الحال عند بعض الفقهاء ، و إما أن يكون على نحو الاحتياط الوجوبي ) :
فإن أمكنه أن يعمل بالاحتياط في هذا العمل العبادي ، بأن يأتي بكل ما يحتمل كونه من الأجزاء و الشروط و يترك كل ما يحتمل أنه مانع من صحة العمل ، فهو المطلوب .
فمثلاً إذا شك في قراءة الفاتحة بعدما دخل في السورة و لم يعلم أن بذلك قد تحقق التجاوز عن الفاتحة ، أو شك في قراءة آية بعدما دخل في آية أخرى ، فإن الاحتياط بالاتيان بالقراءة أو الآية المشكوكة ثانياً أمر ممكن إذا أتى بها بنية رجاء المطلوبية لا بنية أنها جزء واجب ، و الاتيان بها بنية الرجاء ثانياً غير مبطلة للصلاة ، لأن القراءة ليست من الأركان التي توجب زيادتها أو نقصانها بطلان الصلاة .
و معنى الاتيان بها برجاء المطلوبية أن يأتي بالعمل بنية أنه ربما يكون مطلوباً في الواقع لا بنية أنه مطلوب جزماً في الواقع عند الله تعالى .
و إما أن لا يمكنه العمل بالاحتياط ، كما في هذا المثال : إذا أهوى للسجود فحصل له الشك أنه ركع أم لم يركع ، و لم يعلم أن الدخول في مقدمة الجزء اللاحق للجزء المشكوك فيه ( الجزء اللاحق هو السجود و مقدمة الجزء هي الهوي للسجود ) يكفي في الحكم على ذلك المكلف بأنه يحق له التجاوز و عدم الالتفات للشك في تحقق الركوع – بمعنى أنه يبني على الركوع إذا شك في تحققه بعدما دخل في مقدمة الجزء اللاحق – أو لا يكفي في ذلك – بمعنى أنه لا بد من الدخول في السجود حتى يبني على أنه قد ركع في حالة الشك في الاتيان بالركوع ، و أن الدخول في مقدمة الجزء غير كافية في الحكم بالتجاوز – ففي هذه الحالة :
أنه إذا احتاط المكلف و أتى بالركوع مرة ثانية – لأجل شكه المتقدم فيه و عدم معرفته أن الدخول في مقدمة الجزء اللاحق كافية للتجاوز أو غير كافية – فإن ذلك الاحتياط غير ممكن – حتى ولو كان اتيانه بالركوع من باب رجاء المطلوبية لا أنه من باب كونه جزء ثانياً – ، لأنه يكون الاتيان بالركوع مرة ثانية هو من الزيادة في الركن ، و الزيادة في الركن مبطل للصلاة ، سواء أتى به بقصد الجزئية ، أم برجاء أن يكون جزءاً .
و لا يمكنه أن يقطع الصلاة في هذا الفرض أيضاً و يعيدها من جديد ، لأن المكلف يحتمل أن صلاته صحيحة واقعاً عند الله تعالى .
و النتيجة : أنه إذا لم يكن يجوز له أن يقطع الصلاة ، فإنه يبني مثلاً على احتمال أن الدخول في مقدمة الجزء كافية للحكم بالاتيان بالركوع عند الشك في حال حصوله عند مقدمة الجزء اللاحق ( مقدمة الجزء هو الهوي ) ، ثم يسأل بعد الصلاة عن حكم هذه الحالة ، فإن تبيّن له ان فتوى مرجعه صحة الصلاة و أن الشك في الجزء السابق ( كالركوع كما هو مثالنا ) يكون لاغياً حتى ولو لم يدخل في الجز اللاحق ( السجود ) إذا دخل في مقدمة الجزء اللاحق ( الهوي للسجود ) ، وإن تبيّن له أن فتوىالمرجع الذي يقلّده يقول بأنه لا بد في هذه المسألة من الدخول في الجزء اللاحق حتى يصح له التجاوز و أن الدخول في مقدمة الجزء اللاحق غير كافية ، فتكون صلاته حينئذ باطلة .
*************************
مسألة ۱۹ : يجب تعلّم المسائل التي يبتلي بها عادة – كجملة من مسائل الشك و السهو في الصلاة – لئلا يقع في مخالفة تكليف الزامي متوجّه اليد عند بتلائه بها .
**************
قد اتضح شرح هذه المسألة مما مضى ، و لا شك أن تعلم تلك المسائل إنما هو لتجنّب مخالفة الواقع . مسألة ۲۰ : تقدّم أنه يشترط في مرجع التقليد أن يكون مجتهداً عادلاً ، و تثبت العدالة بأمور:
الأول : العلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشىء العقلائية كالاختبار ونحوه.
الثاني : شهادة عادلين بها.
الثالث : حسن الظاهر، والمراد به حسن المعاشرة والسلوك الديني وهو يثبت أيضاً بأحد الأمرين الأولين.
ويثبت اجتهاده ـ و الأعلمية أيضاً – بالعلم ، وبالاطمئنان – بالشرط المتقدم – وبشهادة عادلين من أهل الخبرة ، بل يثبت بشهادة من يثق به من أهل الخبرة وإن كان واحداً ، ولكن يعتبر في شهادة أهل الخبرة ان لا يعارضها شهادة مثلها بالخلاف ، ومع التعارض يأخذ بشهادة من كان منهما اكثر خبرة بحد يكون احتمال اصابة الواقع في شهادته أقوى من احتمالها في شهادة غيره .
*************************
( و تثبت العدالة بأمور )
سيأتي تعريف العدالة في مسألة ۲۹ .
( الأول : العلم الوجداني أو الاطمئنان الحاصل من المناشىء العقلائية كالاختبار ونحوه. )
فالعلم الوجداني ، الذي يكون سببه ما يوجب العلم القطعي ، من مثل التواتر الذي يكشف عن عدالة ذلك المجتهد ، بحيث ينقل ذلك و أنه شيء من المسلّمات ، بحيث لا يوجد شك ولو كان بنسبة ضئيلة في عدالة ذلك المجتهد .
و الاطمئنان هو مرتبة من العلم العادي الذي لا يعتني العقلاء فيه باحتمال الخلاف ، لكون ذلك الاحتمال شيئاً موهوماً لا قيمة له .
و هذا العلم الوجداني و العادي حجة شرعاً ، ولا فرق بين حصولهما من الشياع المفيد للعلم ( سواء وصل إلى مرتبة التواتر أو مرحلة أقل منها ) أو من مثل الاختبار ، كاختباره في أوقات الصلاة و محافظته على الصلاة ، و اختباره في بره بإخوانه في اليسر و العسر ، و اختباره في حال الرضا و الغضب بحيث إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل ولم يخرجه غضبه من قول الحق ، و إذا ملك لم يتعاط ما ليس له بحق ….. ، بشرط أن يكون حصول ذلك العلم الوجداني القطعي أو العادي من الأسباب و المناشئ العقلائية ، ولا يصح الاعتماد على العلم الوجداني أو العادي من مناشئ غير عقلائية من مثل الأحلام و ما لا يصح أن يُرتب عليه الأثر في هذه المقامات .
و لا شك أن المراد بالاختبار ليس هو الاختبار اليسير و خوض التجارب اليسيرة معه و مجرد أدنى استئناس بمواقفه أو مظاهر كاذبة ، بل لا بد أن يكون ذلك عن تجارب غير قليلة يُكتشف يها معدن الشخص .
( الثاني : شهادة عادلين بها. )
إذا أخبر عادلان بعدالة هذا المجتهد كان ذلك طريقاً لاثباتها .
( الثالث : حسن الظاهر، والمراد به حسن المعاشرة والسلوك الديني وهو يثبت أيضاً بأحد الأمرين الأولين. )
و قد شرحنا بعضاً مما يعرف به حسن الظاهر ، فمحافظته على التدين و الأخلاق و القيم لا بد أن تكون بمرتبة عالية ، و معرفة هذا الأمر يكون بأحد الأمرين الأولين المتقدمين . تكملة المسألة السابقة :
( المناشىء العقلائية كالاختبار ونحوه )
الاختبار و التجربة أحد الأمور التي يعتمدها العقلاء لاستشكاف كون المجتهد عادلاً ، و قد قلت في المشاركة السابقة أنه ( لا شك أن المراد بالاختبار ليس هو الاختبار اليسير و خوض التجارب اليسيرة معه و مجرد أدنى استئناس بمواقفه أو مظاهر كاذبة ، بل لا بد أن يكون ذلك عن تجارب غير قليلة يُكتشف بها معدن الشخص ) ، فالتجارب و التعرف على مواقفه المبدئية الدينية و توافق تلك المواقف مع المبادئ العظيمة للدين هي من أكبر الدلائل على ثبوت العدالة ، و طبعاً فإن الاختبار لا بد أن يتحقق من الشخص العارف الذي يشخّص من خلال عشرته و علاقته بهذا المجتهد أن مواقفه تتوافق مع مبادئ الدين العظيمة .
و يمكن أيضاً استكشاف العدالة من خلال أدلة و استنتاجات معتمدة عقلائياً يتوصل إليها المكلف في بحثه عن شخصية هذا المجتهد .
( ويثبت اجتهاده ـ و الأعلمية أيضاً – بالعلم ، وبالاطمئنان – بالشرط المتقدم – وبشهادة عادلين من أهل الخبرة )
ثبوت الاجتهاد و الأعلمية يكون من خلال العلم القطعي ، و ذلك بأن يختبر في عدة مسائل معتد بها يكثر فيها الأخذ و الرد و النقاش في بحوثهم الفقهية ، فيثبت لدى ذلك الشخص المختبر اجتهاد أو أعلمية ذلك الشخص ، ويمكن من خلال تتبع بحوث الفقهاء ( البحث الخارج ) لمن يحضر تلك البحوث تمييز المجتهد و الأعلم من غيره ، حيث يتعرّف المختصون على عمق و دقة و شمولية ذلك الشخص .
ولا شك أن الشخص المختبر لذلك الشخص لا بد أن يكون على قدر من العلم
و ليس من تحصيل العلم بالاجتهاد أو الأعلمية ما قد يروّج له البعض ممن يدّعون الاجتهاد و الأعلمية : ( من أنهم الوحيدون في الساحة و أن غيرهم إن كانوا فعلاً مجتهدين أو أعلم الفقهاء فإننا نوجّه لهم الدعوة للمناظرة و الاختبار و المناقشة ، وإذا لم يلبّوا دعوتي فهذا دليل على فشلهم ) فيغتر بهم حشد من الناس ، و يقولون من خلال هذه الدعوى و لدعوة حصل لنا العلم باجتهاد أو اعلمية فلان !!!!!!!
و ثبوت الاجتهاد من خلال العلم العادي ، وهو ما يوجب اطمئنان النفس و سكونها ، بحيث يكون الأمر المخالف للإطمئنان شيئاً موهوماً و غير معتد به ولا يعتني به العقلاء ، فمثل الأعلمية لا تستكشف من خلال مجرد ضخامة الرسالة العملية و كثرة تفريعاتها – إذ أن أكثر تلك التفريعات مأخوذة من رسائل من سبق من العلماء – إذ هذا ليس موجباً لحصول العلم العادي الاطمئناني .
وإنما تستكشف من خلال وسائلها المعروفة ، فإنه إذا لم يمكنه الاختبار ، فإنه يمكنه أن يستعين في ذلك بمن يعرفه و يعتمد عليه ممن يتواجد في الحوزة العلمية و يحضر البحوث العلمية للفقهاء – بشرط أن يكون محيطاً ولو إجمالاً بمستويات هؤلاء العلماء و معرفة الأمور الدخيلة في تحقق الاجتهاد و الأعلمية – لكي يشخّص له من هو المجتهد من غيره و الأعلم من غيره .
فإذا اطمأن الشخص من خلال تشخيص اهل الخبرة الذي يسالهم حول الموضوع ولو بسؤال من يوثق بهم و بدرايتهم من علماء الدين المنتشرين في البلاد ممن لهم ارتباط بالحوزات العلمية التي يوجد فيها أهل الخبرة والاستنباط جاز له الاعتماد على شهادة من يثق به منهم .
و اطلاع أهل الخبرة على المستوى العلمي و إن قلنا فيه أنه يكفي الاطلاع الاجمالي ، و لكن لا بد أن يكون الاطلاع و الشهادة منهم بعد ذلك بعد معرفة أن ما يشهدون به لا بد أن يكون عن معرفة بهذه الأمور الدخيلة في الأعلمية ، وهذه الأمور كما تقدم في الصفحة الأولى ، هي :
( عمدة ما يلاحظ فيه الأعلمية أمور ثلاثة :
الأول : العلم بطرق اثبات صدور الرواية ، و الدخيل فيه علم الرجال و علم الحديث بما له من الشؤون كمعرفة الكتب و معرفة الرواية المدسوسة بالاطلاع على دواعي الوضع … و معرفة النسخ المختلفة و تمييز الأصح من غيره و الخلط الواقع بين متن الحديث و كلام المصنفين و نحو ذلك …
الثاني : فهم المراد من النص بتشخيص القوانين العامة للمحاورة و خصوص طريقة الأئمة عليهم السلام في بيان الأحكام ، و لعلم الأصول و العلوم الأدبية و الاطلاع على أقوال من عاصرهم من فقهاء العامة دخالة تامة في ذلك .
الثالث : استقامة النظر في مرحلة تفريع الفروع على الأصول )
ولا شك أن حصول العلم من قول عشرة من المجتهدين بأعلمية فلان المجتهد توجب العلم العادي و تورث الاطمئنان .
بل لا يشترط في ثبوت هذا شهادة أكثر من اثنين من أهل الخبرة ، و إن كان ذلك المستوى اقل من مستوى اخبار عشرة منهم .
بل قال السيد السيستاني :
( بل يثبت بشهادة من يثق به من أهل الخبرة وإن كان واحداً ) .
ثم قال :
( ولكن يعتبر في شهادة أهل الخبرة ان لا يعارضها شهادة مثلها بالخلاف ، ومع التعارض يأخذ بشهادة من كان منهما اكثر خبرة بحد يكون احتمال اصابة الواقع في شهادته أقوى من احتمالها في شهادة غيره . )
فبالاضافة إلى ما تقدم من اشتراط الاحاطة ولو الاجمالية بمستويات العلماء المنطلقة من ملاحظة الأمور الثلاثة المذكورة أعلاه ، فإنه يشترط شرط آخر ، و هو أن لا تكون هذه الشهادة معارضة بشهادة أخرى ، فلو شهد عشرة مجتهدين – و فيهم من لم يتصدى للمرجعية ولو تصدى لكان ابن بجدتها و المقدم فيها و لكنه أعرض عنها لجسامة تحمل شؤون المرجعية – بأعلمية فلان ، و شهد عشرة آخرون أقل مستوى منهم بشهادة أخرى بأعلمية علان ، فإنه لا شك في تقديم الشهادة الأولى على الثانية ، و ذلك لأن احتمال اصابة الواقع في الشهادة الأولى أكثر من الشهادة الثانية . و هكذا .
مسألة ۲۱ : يحرم الإفتاء على غير المجتهد مطلقاً ، وأما من يفقد غير الاجتهاد من سائر الشروط فيحرم عليه الفتوى بقصد عمل غيره بها .
ويحرم القضاء على من ليس أهلاً له ، ولا يجوز الترافع إليه ، ولا الشهادة عنده إذا لم ينحصر استنقاذ الحق المعلوم بذلك ، وكذا المال المأخوذ بحكمه حرام إذا لم يكن شخصياً أو مشخّصاً بطريق شرعي ، والا فهو حلال ، حتى فيما إذا لم ينحصر استنقاذه بالترافع إليه وإن أثم في طريق الحصول عليه في هذا الفرض .
****************
( يحرم الإفتاء على غير المجتهد مطلقاً )
في هذا الفرع من هذه المسألة يبيّن السيد السيستاني أن غير المجتهد لا يجوز له الافتاء بحيث يقول فتواي في المسألة الفلانية كذا و كذا ، سواء كان بقصد عمل غيره بما أفتى به ، أو كان لمجرد بيان رأيه دون أن يكون قاصداً عمل الآخرين بها .
( وأما من يفقد غير الاجتهاد من سائر الشروط فيحرم عليه الفتوى بقصد عمل غيره بها )
و أما من كان مجتهداً فعلاً إلا أنه لا تتوفر فيه بقية الشروط الأخرى التي ذكرناها – كما إذا كان فاسقاً بذيء اللسان ولا يسلم من لسانه أحد – فإنه يجوز له بيان رأيه دون أن يقصد عمل غيره بها ، و أما لو كان اصداره الفتاوى لأجل أن يعمل بها الناس فإنه لا يجوز ذلك ، إذ هو بمنزلة من أفتى بغير علم ، و ليس هناك من جزاء إلا النار – و العياذ بالله تعالى – و قولي أنه بمنزلة من افتى بغير علم ، أنه قد أغرى الناس بالجهل ، فالاغراء بالجهل للعامي حين التصدي هو بمنزلة الافتاء بغير علم و إن كان المتصدي هو في نفسه عالماً .
( ويحرم القضاء على من ليس أهلاً له )
فالشخص الذي لا يكون مؤهلاً من الناحية الشرعية للقضاء ، لا يجوز له التصدي للقضاء ، الذي هو فصل الخصومة بين المتخاصمين و حل خلافهم و تشاجرهم على الحقوق و القضايا الشخصية و الحكم بثبوت دعوى المدعي أو بعدم ثبوت حق على المدعى عليه ، و عليه فالقضاة المدنيون الذين تعيّنهم الحكومات مشمولون بهذا الحكم ، و كذلك اللجوء للشرطة و الترافع عندهم من أجل حسم القضايا العالقة بين الاشخاص و حلّها .
( ولا يجوز الترافع إليه )
فلا يجوز إقامة الدعوى أمام القاضي غير المؤهل شرعاً للقضاء ، من مثل القضاة المدنيين و الشرطة في تلك الدول التي تكون قوانينها قوانين مدنية .
( ولا الشهادة عنده إذا لم ينحصر استنقاذ الحق المعلوم بذلك )
فلا يجوز أن يشهد الشاهد في قضية من القضايا أمام ذلك القاضي غير المؤهّل شرعاً ، إذا كان استنقاذ حق المشهود له و تحصيله يمكن من خلال الطرق الأخرى غير رفع الدعوى عند هذا القاضي غير المؤهل ، و أما إذا انحصر استنقاذ حق هذا الشخص بالشهادة في المحاكم المدنية و أنه لا يمكن تحصيلها من الطرق الأخرى فإنه يصح أن يشهد الشاهد في تلك المحاكم أو عند الشرطة مثلا ً
( وكذا المال المأخوذ بحكمه حرام إذا لم يكن شخصياً أو مشخّصاً بطريق شرعي )
و إذا حكم ذلك القاضي أو ضابط الشرطة بدفع مال أو غرامة إلى الطرف الثاني المتخاصم مع الطرف الذي طولب بدفع الغرامة أو المال ، فإنه يحرم على من حُكم له بذلك أن يأخذ ذلك المال ، كما لو حصل نزاع و ألزم الطرف الآخر بدفع الغرامة و تحميله مثلاً جميع مصاريف المحاكمة .
( والا فهو حلال )
و يستثنى من حكم حرمة أخذ المال بحكم ذلك القاضي ما إذا كان المال الذي حكم به القاضي غير المؤهل كان فعلاً ملكاً شخصياً لمن حُكم له بذلك المال ، كما إذا سرق شخص سيارة لشخص ، ثم ادعى ذلك الشخص السارق أن السيارة سيارته ، ورفع المسروق منه في المحكمة عند القاضي أو عند الشرطة قضية على سرقة سيارته ، و حكم القاضي أو الضابط بأن السيارة سيارة المسروق منه ، وأنها مسجلة عند الدولة بإسم المسروق منه ، ( فهذا شيء شخصي )
و كذلك إذا حكم القاضي غير المؤهل بأن المال لفلان ، وقد شهد الشهود العدول بأن المال لنفس من حكم له القاضي ، فإنه يجوز له أخذه ( وهذا يكون حينئذ شيء قد شُخّص أنه لفلان بطريق شرعي )
( حتى فيما إذا لم ينحصر استنقاذه بالترافع إليه وإن أثم في طريق الحصول عليه في هذا الفرض ) .
فأخذ المال بحكم القاضي المدني مثلاً حلال إذا كان الحق قد ثبت فعلاً أنه لفلان الذي حكم له القاضي أو ثبت من خلال الطريق الشرعي كالبينة العادلة أنه له ، حتى ولو كان استنقاذ حقه و تحصيله من الطرف الآخر لا ينحصر بالرجوع للقاضي غير المؤهل أو للشرطة ، حيث توجد طرق أخرى لاسترجاع الحق و تحصيله ، فمع وجود الطرق الأخرى لتحصيل و استرجاع الحق يحق لصاحب الحق أخذه من الطرف الآخر إذا حكم به القاضي أو الشرطة لو فُرض اللجوء إليهما لفصل الدعوى و البت فيها و كان الحق شخصياً أو مشخصاً بطريق شرعي .
و النتيجة :
بالنسبة لأخذ المال بحكم القاضي غير المؤهل غير جائز في حال الحكم بالتغريم للطرف الآخر إذا لم يكن شخصياً أو مشخصاً بطريق شرعي ، سواء كان اللجوء لذلك القاضي لتحصيل الحق هو الحل الوحيد أو كانت هناك طرق أخرى يمكن اللجوء إليها .
و أما إذا كان المال الذي حكم به القاضي شخصياً أو مشخصاً ( و قد شرحنا ذلك ) فإنه يجوز لصاحب الحق أن يسترجع ماله من الطرف الآخر المعتدي على حقه ، سواء انحصر استرجاع و استنقاذ و تحصيل حقه باللجوء إلى ذلك القاضي أو لم ينحصر ، و عليه فلا يجوز له أخذ غير حقه ، ولو ألزم الطرف الآخر بدفع شيء زائد على الحق إلى صاحب الحق ، وجب على صاحب الحق أن يرجعه لصاحبه . مسألة ۲۲ : المتجزّئ في الاجتهاد يجوز له العمل بفتوى نفسه ، بل يجوز لغيره العمل بفتواه إلا مع العلم بمخالفة فتواه لفتوى الأعلم ، أو فتوى من يساويه في العلم ـ على تفصيل علم مما سبق ـ وينفذ قضاؤه ولو مع وجود الاعلم اذا عرف مقداراً معتداً به من الأحكام التي يتوقف عليها القضاء.
*****************
( المتجزّئ في الاجتهاد يجوز له العمل بفتوى نفسه )
المتجزئ هو المجتهد في بعض العناوين و الأبواب الفقهية كالقضاء ، وهذا يجوز له أن يعمل بفتاوى نفسه فيما جتهد فيه من أحكام الشريعة .
و قولنا بالتجزئ إنما يتعلق بالقدرة على الاستنباط ، إذ لاختلاف الأبواب الفقهية و صعوبة الاستدلال وسهولته من حيث الاعتماد على القواعد او من حيث تعارض الروايات و ما شابه ذلك أثر في القدرة على الاستنباط ، و القدرة على الاستنباط في أبواب دون أخرى هو ما نعنيه بالاجتهاد التجزيئي .
( بل يجوز لغيره العمل بفتواه )
فلو بلغ هذا الشخص إلى مرحلة الاجتهاد في بعض الأبواب الفقهية فإنه يجوز تقليده في ما اجتهد فيه ، فمثلاً يجوز الرجوع إليه في الفتاوى التي يطرحها إذا كان المرجع الجامع للشرائط المطلق يحتاط في الفتوى ولا يبدي رأياً فيها .
بل يجوز الرجوع إليه في ما اجتهد فيه من الأبواب الفقهية – سواء في الرجوع إليه في احتياطات مجتهد آخر أو في غير ذلك – إذا كان وصل إلى مرحلة ثبت عند أهل الخبرة أنه يتساوى مع غيره من المجتهدين ، بحيث لا يفضلون غيره عليه في ما اجتهد فيه ، بل يساوون بينهم ، وذلك لوصوله إلى رتبة عالية من العلم في ما اجتهد فيه .
( إلا مع العلم بمخالفة فتواه لفتوى الأعلم ، أو فتوى من يساويه في العلم ـ على تفصيل علم مما سبق ـ )
نعم إذا كانت فتواه – في الباب الذي اجتهد فيه ووصل فيه إلى مرتبة علمية متقدمة – قد ثبت أنها تخالف فتوى الأعلم ، أو كانت فتواه تخالف فتوى المساوي له في العلم ممن ثبت اجتهاده المطلق ، و كان ذلك الفقيه المطلق الذي يساوي الفقيه المتجزئ أورع و أكثر تثبتاً من الفقيه المتجزئ في مقام الافتاء بالنسبة للجهات الدخيلة في الافتاء ، فإنه لا يجوز الرجوع للفقيه المتجزئ حينئذ .
( وينفذ قضاؤه ولو مع وجود الاعلم اذا عرف مقداراً معتداً به من الأحكام التي يتوقف عليها القضاء. )
فلو صار ذلك المجتهد المجتهد قاضياً فإنه ينفذ قضاؤه على المتخاصمين و تترتب الآثار على ما يقضي به إذا كان مجتهداً في مجال القضاء بمقدار غير قليل في الأمور التي يتوقف عليها القضاء ، إذ لا يشترط في القضاء الأعلمية كما هو الحال في التقليد ، بل يكفي فيه الاجتهاد ، سواء كان ذلك مع وجود الأعلم أو عدم وجوده . مسألة ۲۳ : إذا شك في موت المجتهد ، أو في تبّدل رأيه ، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده ، جاز البقاء على تقليده إلى أن يتبيّن الحال .
***************
( إذا شك في موت المجتهد )
لكي يرتّب أحكام البقاء عليه أو الرجوع إلى غيره .
( أو في تبّدل رأيه )
فلو عمل المكلف بمسألة ما طبقاً لرأي هذا المجتهد ثم شك أن حكم هذه المسألة هل تغيّر من الفتوى إلى فتوى غيرها ، أو من الفتوى إلى التردد في الفتوى و الاحتياط فيها .
( أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده )
كما لو شك في أن هذا المجتهد الذي يقلّده هل فقد شرط الأعلمية أو العدالة مثلاً أو لا .
( جاز البقاء على تقليده إلى أن يتبيّن الحال . )
فيبني المكلف على عدم موته إن كان الشك في الموت ، وعلى عدم تبدّل رأيه إن كان الشك فيه ، و على عدم فقده الشروط التي يلزم توفرها للإستمرار على تقليده ، و يعتبر الحالة السابقة على مرحلة الشك لا زالت باقية بحالها ، إلا أن يثبت له عكس ما بنى عليه ، فإنه يتعامل مع ما ثبت له أخيراً بحكم كل حالة .
و هل يجب عليه الفحص عند شكه هذا ؟
لا يجب عليه الفحص ، لأن هذا من الفحص و التبين و البحث في الشبهات الموضوعية ، وهو غير واجب .
و لا شك أن الحكم بعدم وجوب الفحص في حالة الشك بفقدان المجتهد للشروط كالأعلمية و العدالة في إنما يكون في حال ما إذا كان قد ثبت له توفر تلك الشروط أولاً ثم حصل له الشك ، و أما إذا كان الشك في ثبوت جامعية هذا الشخص لشروط الاجتهاد قبل أن يقلّده فإنه يجب عليه الفحص لمعرفة كون من سيرجع له في التقليد هل هو جامع للشرائط أم لا ، حتى يكون تقليده صحيحاً .
مسألة ۲۴ : الوكيل في عمل يعمل بمقتضى تقليد موكّله لا تقليد نفسه فيما لا يكون مأخوذاً بالواقع بلحاظ نفس العمل أو آثاره ، وإلا فاللازم مراعاة كلا التقليدين، وكذلك الحكم في الوصي .
************
( الوكيل في عمل )
عن الغير مثل إجراء عقد ( كعقد البيع أو النكاح مما يشترط في تحققه شروط من أهمها الايجاب و القبول ) أو إيقاع ( كإيقاع الطلاق و الذي يتحقق من طرف الزوج أو وكيله دون ملاحظة الطرف الثاني ) أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك .
هل يلزم على ذلك الوكيل – إذا لم يكن مجتهداً – أن يلتزم في ما وُكّل فيه بمراعاة وظيفته من حيث تقليده هو و أن يرجع في أحكام ذلك العمل المُوكّل فيه إلى مرجع تقليده ، أو أن اللازم عليه حينئذ أن يراعي وظيفة و تكليف مُوكّله و تقليده ؟
( يعمل بمقتضى تقليد موكّله لا تقليد نفسه فيما لا يكون مأخوذاً بالواقع بلحاظ نفس العمل أو آثاره )
فإن ذلك الوكيل يعمل لتفريغ ذمته مما وُكّل فيه بحسب تقليده ذلك الغير ( المُوكّل ) ، فلا بد أن يكون ذلك العمل الموكول إليه صحيحاً بنظر المُوكل ، و لن يكون صحيحاً إلا إذا أتى الوكيل بالعمل بحسب تقليد المُوكّل .
و طبعاً فإن عمله حسب تقليد مُوكّله إنما يكون في الحالات التي لا يشترط فيها إلا نفس الاتيان بالعمل من دون مراعاة النظر إلى حقيقة الأمر و الواقع ، فلو وكّله في تزويجه من امرأة و رضيت المرأة بذلك الشخص المُوكّل زوجاً ، فهنا لا يجب على الوكيل البحث كون تلك المرأة قد ارتضعت رضاعاً مُمحرّماً مع نفس المُوكل ، أو أن تلك الزوجة لها زوج و هي على ذمته أم لا ما دامت تدعي أنها خليّة من الزوج ، إذ المهم في هذه المسألة تحقيق الزواج من تلك المرأة و أنه لا مانع شرعاً من الزواج بها بحسب تقليد المُوكّل ، و كما إذا و كّله في أن يدفع الصدقات
للفقراء ، فإنه يكفي في الدفع لهم أن يُحرز أنهم فقراء ظاهراً ، ولا يلزم عليه البحث عمّا هو الواقع من حالهم ، لأن المطلوب هو الدفع للفقراء و يكفي الدفع بهذا المستوى ولا يلزم أكثر من هذا .
و أما إذا كان العمل المُوكّل فيه مما يلاحظ فيه النظر إلى حقيقة الأمر و الواقع ، فلا يكفي في تحقيق العمل المُوكل فيه أن يكون موافقاً لنظر و تقليد المُوكّل فقط ، بل لا بد من ملاحظة نظر الوكيل و تقليده ، فلو وكّله على أن يؤجّر الدكان على شخص يعلم ذلك المُوكّل أنه سيكون مخزناً لتخزين ما يحرم تناوله شرعاً كالخمر و لم يتم التعاقد على هذا الأساس ولا حصلت الموافقة على ذلك قبل العقد ، بل العقد جرى على أنه سيستأجر هذا الدكان من دون ذكر الحيثيات ، فإنه لو فرضنا أن المُوكل يقلّد من يقول بصحة ذلك الأمر و عدم حرمته شرعاً ، و فرضنا أن الوكيل يقلّد من يقول بحرمة الاعانة على الإثم – إذ لا شك في كون التأجير بحسب الوكالة هو إعانة – و كان مرجعه أيضاً يقول بحرمة التأجير للدكان ممن يُعلم أنه سيستخدمه في تخزين ما يحرم تناوله ، فإنه في هذه الحالة لا يجوز لذلك الوكيل أن يجري العقد بهذا المستوى ، لأنه سيكون إعانة على الإثم ، لأنه كما قال السيد :
( وإلا فاللازم مراعاة كلا التقليدين )
فهذه الوكالة لا يمكن أن تتحقق و إن كانت جائزة بنظر و تقليد المُوكّل ، بل لا بد من مراعاة تقليد الوكيل و الموكل معاً دون النظر فقط إلى تقليد الموكل .
( وكذلك الحكم في الوصي )
فإن الوصي لا بد له أن يعمل بحسب تقليد الموصي في ما أوصى به ، إلا في الحالات التي لا بد في تحقيقها من النظر إلى الواقع ، فلو أن شخصاً أوصى بأن يؤتى بالحج عنه بحسب تقليد مرجعه و قيّد الاتيان و تحقيقه بذلك ، فإنه يلزم على الوصي أن يعمل بتقليد الموصي إذا كان الموصي يُقلّد من كان من المراجع يعتمد الفقه المشهور و إن كان يختلف ذلك المرجع في بعض الأمور عن بقية المراجع في الأمور غير الركنية .
و أما إذا كان الموصي قد شرط في و صيته بأن يأتي الوصي بالحج عنه و أن يأتي به طبقاًُ لتقليد الموصي ، وفرضنا أن مرجع الموصي الذي يقلده يفتي بجواز تقديم أعمال مكة على الموقفين ( عرفات و مزدلفة ) اختياراً و من دون عذر ، وفرضنا ان الوصي لا يقلد من يقول بهذا الرأي ، فإنه لا يصح الاتيان بالحج بالطريقة التي يعتمدها مرجع الموصي إذا كانت مورداً للوصية ايضاً ، إذ لو أوصى بأن يحج عنه و أن يقدم الطواف أيضاً على الموقفين اختياراً ، فهنا يعلم الوصي بأن فعل ذلك يؤدي إلى بطلان الحج ، فلا يصح له أن يعمل بتقليد هذا الموصي ، بل لا بد أن يلاحظ ايضاً تقليد الموصي في ذلك الشأن ، لأنه لو قدّم الوصي الطوافين اختياراً لكان ممن يعلم واقعاً – ولو بالنظر لتقليده – أن ما قام به من الحج هو باطل و غير مجزٍ ولا مُبرئ لذمة الموصي ، لأن تقديم أعمال مكة على الموقفين مبطل للحج ، و الطواف و السعي ركنان بحسب تقليد الوصي و ليسا من الأجزاء الواجبة التي يمكن الاختلاف فيها و يمكن تمشية الحال فيها . بالنسبة للمسألة السابقة ( ۲۴ ) ، ما هو الفرق بين الوكالة و النيابة ، و هل يختلف الحكم بين الوكالة و النيابة بالنسبة للعمل الموكّل فيه و بين العمل المنوب به ؟
الجواب :
۱- قد بيّن السيد دام ظله الفرق بين الأمرين في كتاب الوكالة ، حيث قال في مقدمة كتاب الوكالة :
“” الوكالة هي : ( تسليط الغير على معاملة من عقد أو إيقاع أو ما هو من شؤونهما كالقبض و الإقباض )، و تفترق عن الإذن المجرد ـ الذي هو إنشاء الترخيص للغير في مقام بعمل تكويني كالأكل أو اعتباري كالبيع ـ في جملة أمور :
منها : توقف الوكالة على القبول و عدم توقف الإذن عليه .
و منها : انفساخ الوكالة بفسخ الوكيل و عدم ارتفاع الإذن برفضه من قبل المأذون له .
و منها : نفوذ تصرف الوكيل حتى مع ظهور عزله عن الوكالة حين صدوره منه ما لم يبلغه العزل و عدم نفوذ تصرف المأذون له إذا ثبت رجوع الإذن عن إذنه قبل وقوعه .
و تختلف الوكالة عن النيابة ـ التي هي الإتيان بالعمل الخارجي المعنون بعنوان اعتباري قصدي الذي ينبغي صدوره عن الغير بدلاً عنه ـ في جملة أمور :
منها : إن العمل الصادر عن الوكيل كالبيع ينسب إلى الموكل و يعد عملاً له فيقال باع زيد داره و إن كان المباشر للبيع وكيله ، و أما العمل الصادر من النائب كالصلاة و الحج فلا يعد عملاً للمنوب عنه و لا ينسب إليه فلا يقال حجّ زيد لو كان الحاج نائبه .
و منها : إن النيابة على قسمين : ما تكون عن استنابة و ما تكون تبرعية ، و أما الوكالة فلا تقع على وجه التبرع . “” انتهى
۲- نعم يختلف الحكم بين الوكالة و النيابة في العمل الموكل فيه أو المنوب به من حيث التقليد ، فقد مر علينا أن الوكيل يعمل بمقتضى تقليد موكّله ، إلا في الأعمال التي لوحظ فيها النظر إلى الواقع و آثاره ، لاحظ شرح المسألة السابقة .
و أما بالنسبة للنيابة ، فإن النائب في عمل كالصلاة و الحج مثلاً يعمل ويؤدي ذلك العمل – سواء كان متبرِّعاً في النيابة أو مستأجَرَاً – حسب تقليده لا حسب تقليد المنوب عنه – حسب فتوى السيد السيستاني – .
نعم إذا استؤجر الشخص للنيابة عن شخص و اشتُرط على نحو التقييد بأن يعمل النائب بما هو الصحيح من العمل بحسب نظر و تقليد المنوب عنه فإنه يلزم العمل بحسب تقليد المنوب عنه ، فلو فرضنا أن المنوب عنه يقلّد من يقول بعدم جواز التقديم الاختياري لأعمال مكة على الموقفين ( موقف عرفات و مزدلفة ) في الحج و النائب يقلّد من يقول بجواز تقديم الأعمال بحسب تقليده ، فإنه لا يجوز لذلك النائب – إذا فرضنا أنه استؤجر على أن يأتي بالعمل الصحيح بحسب تقليد و نظر من ينوب عنه – أن يأتي بأعمال مكة قبل الموقفين بناءً على تقليده ، لأنه يعلم يقيناً بأن هذا العمل المأتي به ليس صحيحاً بحسب تقليد المنوب عنه و قد قُيّدت النيابة بأن يأتي بالعمل الصحيح في مفروض المسألة بحسب تقليد المنوب عنه .
و كذلك إذا استؤجر على أداء العمل كالحج مثلاً و قُيّدت الاجارة بأن يأتي النائب بالعمل بحسب تقليده لا بحسب تقليد المنوب عنه ، فهنا لا يجوز للنائب أن يأتي بالعمل بحسب تقليد المنوب عنه إذا كان العمل يؤدي إلى بطلان العمل ، كما لو فرضنا في نفس المثال إذا كان النائب يقلد من يقول بعدم جواز التقديم اختياراً بدون عذر لأعمال مكة على الموقفين ، و بحسب تقليد المنوب عنه يصح التقديم ، فهنا لا يجوز له أن يأتي بالعمل طبقاً لتقليد المنوب عنه ، لأنه قد اشتُرِطَ عليه أن يأتي بالعمل طبقاً للنظر و التقليد الصحيح بحسب تقليد النائب لا تقليد المنوب عنه .
و كذلك إذا استؤجر على عمل نيابي ، و كان المتعارف عند المُستأجِريْن في تلك الحالات عند الإستئجار لذلك العمل – عند عدم التحديد و التقييد والاشتراط – أن يأتي بالعمل بحسب تقليد المنوب عنه ، و أن اطلاق العقد و عدم الاشتراط و التقييد يقتضي أن يعمل النائب بتقليد المنوب عنه ، فإنه في هذه الحالة يعمل بتقليد المنوب عنه ، إلا إذا كان العمل بحسب تقليد المنوب عنه -إذا كان المتعارف عند المُستأجِريْن ذلك – يؤدي إلى بطلان العمل كما في المثال المفروض آنفاً ، فإنه لا يجوز للنائب أن يعمل العمل النيابي طبقاً لتقليد المنوب عنه إذا كان يؤدي إلى بطلان العمل بحسب تقليد النائب .
مسألة ۲۵ : المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القاصرين ينعزل بموت المجتهد . و أما المنصوب من قبله وليّاً وقيّماً ففي انعزاله بموته إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك .
*****************
( المأذون )
هو من أذن له المجتهد و أنشأ له الترخيص بأن يأكل أو ينام أو يستخدم أموال الوقف لكونه مورداً لها .
( والوكيل )
قد مر علينا في أعلاه معنى الوكالة ، إلا أن الوكالة هنا عن المجتهد .
( في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القاصرين )
بأن أذن له في التصرف بأن يكون ممن يحق له التصرف في تلك الأوقاف كما في التصرف في المدرسة الوقفية و ما شابه ، أو كان وكيلاً في التصرف في أموال القاصرين بصرفها عليهم .
( ينعزل بموت المجتهد )
واستمرار هذه الماذونية أو الوكالة مربوطة بحياة المجتهد الآذن أو الموكّل ، فلا وجود ولا بقاء للإذن بعد موت المجتهد ، و الوكالة بما أنها تسليط الغير على معاملة بحيث يُنسب العمل إلى نفس الموكّل المجتهد فإنه بموته ينعزل الوكيل ، إذ لا معنى لاستمرارها مع الموت من حيث انه لا يُنسب العمل بعد الموت إلى الموكّل المجتهد .
و انتفاء الوكالة يكون بموت المجتهد مباشرة حتى مع وجوب أو جواز البقاء على تقليد ذلك المجتهد الميت .
( و أما المنصوب من قبله وليّاً وقيّماً ففي انعزاله بموته إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك . )
و أما إذا نصب المجتهد قيّماً و وليّاً على الوقف أو على القاصرين الأيتام أو ما شابه ذلك – بناءً على أن للمجتهد الحق في أن ينصب القيّم و الولي على هذه الأمور ، كما لو نصب المجتهد أم الأولاد و جعلها قيّمة و ولية على أولادها القُصّر بعد موت أبيهم لا على خصوص الصرف عليهم من أموالهم و إنما في جميع شؤونهم – فهل تنتفي ولاية أو قيمومة الأم على أولادها القاصرين بموت المجتهد الذي نصبها على أنها وليّة أو قيّمة ؟
السيد السيستاني يقول بأن ولاية الأم مشكوك في استمرارها ، إذ يمكن القول بأن اعطاء الوكالة من المجتهد لها إنما هو وكالة ، و الوكيل كما مر ينعزل بموت موكّله ، و يمكن القول بأن المجتهد إذا نصب قيّماً و متوليّاً فإنه لا ينعدم بموته ، و بما أنه لم يتعين لنا أحد القولين فإنه يمكن القول بأن الأمر مشكل ولا يمكن الجزم بشيء ، و النتيجة هو الاحتياط الوجوبي بالاستجازة من المرجع الحي لبقاءها في مهمتها ( الولاية على القاصرين ) مسألة ۲۵ : المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القاصرين ينعزل بموت المجتهد . و أما المنصوب من قبله وليّاً وقيّماً ففي انعزاله بموته إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك .
*****************
( المأذون )
هو من أذن له المجتهد و أنشأ له الترخيص بأن يأكل أو ينام أو يستخدم أموال الوقف لكونه مورداً لها .
( والوكيل )
قد مر علينا في أعلاه معنى الوكالة ، إلا أن الوكالة هنا عن المجتهد .
( في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القاصرين )
بأن أذن له في التصرف بأن يكون ممن يحق له التصرف في تلك الأوقاف كما في التصرف في المدرسة الوقفية و ما شابه ، أو كان وكيلاً في التصرف في أموال القاصرين بصرفها عليهم .
( ينعزل بموت المجتهد )
واستمرار هذه الماذونية أو الوكالة مربوطة بحياة المجتهد الآذن أو الموكّل ، فلا وجود ولا بقاء للإذن بعد موت المجتهد ، و الوكالة بما أنها تسليط الغير على معاملة بحيث يُنسب العمل إلى نفس الموكّل المجتهد فإنه بموته ينعزل الوكيل ، إذ لا معنى لاستمرارها مع الموت من حيث انه لا يُنسب العمل بعد الموت إلى الموكّل المجتهد .
و انتفاء الوكالة يكون بموت المجتهد مباشرة حتى مع وجوب أو جواز البقاء على تقليد ذلك المجتهد الميت .
( و أما المنصوب من قبله وليّاً وقيّماً ففي انعزاله بموته إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك . )
و أما إذا نصب المجتهد قيّماً و وليّاً على الوقف أو على القاصرين الأيتام أو ما شابه ذلك – بناءً على أن للمجتهد الحق في أن ينصب القيّم و الولي على هذه الأمور ، كما لو نصب المجتهد أم الأولاد و جعلها قيّمة و ولية على أولادها القُصّر بعد موت أبيهم لا على خصوص الصرف عليهم من أموالهم و إنما في جميع شؤونهم – فهل تنتفي ولاية أو قيمومة الأم على أولادها القاصرين بموت المجتهد الذي نصبها على أنها وليّة أو قيّمة ؟
السيد السيستاني يقول بأن ولاية الأم مشكوك في استمرارها ، إذ يمكن القول بأن اعطاء الوكالة من المجتهد لها إنما هو وكالة ، و الوكيل كما مر ينعزل بموت موكّله ، و يمكن القول بأن المجتهد إذا نصب قيّماً و متوليّاً فإنه لا ينعدم بموته ، و بما أنه لم يتعين لنا أحد القولين فإنه يمكن القول بأن الأمر مشكل ولا يمكن الجزم بشيء ، و النتيجة هو الاحتياط الوجوبي بالاستجازة من المرجع الحي لبقاءها في مهمتها ( الولاية على القاصرين )
مسألة المنصوب من قبل المجتهد على أنه ولي و قيّم كما في ولاية الأم على القاصرين من أولادها ، فيها خلاف بين الفقهاء :
السيد الخوئي في كتاب المنهاج ، قال : ” و كذلك المنصوب من قبله و ليّاً و قيّماً فإنه ينعزل بموته على الأظهر . “
و أما في تعليقته على كتاب العروة من مسائل التقليد مسألة ۵۱ ، عندما قال صاحب العروة :
” بخلاف المنصوب من قبله ، كما إذا نصبه متوليّاً للوقف أو قيّماً على القُصّر ، فإنه لا تبطل توليته و قيمومته على الأظهر “
قال : ( فإنه لا تبطل ) : ” فيه إشكال والاحتياط لا يترك . “
و السيد الخميني قال في كتاب تحرير الوسيلة : ” و أما المنصوب من قبله بأن نصبه متوليّاً للوقف أو قيّماً على القصّر فلا يبعد عدم انعزاله ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بتحصيل الاجازة أو النصب الجديد للمنصوب من المجتهد الحي “
و الشيخ الوحيد الخراساني ، وافق السيد الخوئي على ما في المنهاج من الافتاء بالانعزال ، إذ لم يُعلّق على عبارة السيد الخوئي .
و السيد الحكيم ، لم أر له في المنهاج باب التقليد كلاماً حول هذا الفرع .
و الشيخ الفياض قال في المنهاج : ” و أما المنصوب من قبله و ليّاً بمعنى منحه و جعله الولاية له على هذه الأوقاف و الأموال ، فهو يبقى نافذ المفعول حتى بعد موت ذلك المجتهد ، و أمّا القيمومة فهي إمّا أن ترجع إلى جعل الوكالة للقيّم ، أو جعل الولاية له ، و ليست منصباً ثالثاً غيرهما . “
و السيد صادق الروحاني قال في المنهاج : ” و كذلك المنصوب من قبله وليّاً و قيّماً فإنه ينعزل بموته على إشكال . “
و السيد الخامنئي ، وافق على الرأي القائل : ” و أما المنصوب من قبله وليّاً أو قيّماً فلا ينعزل بموت المجتهد “
****************
و مع هذه الاختلافات ، فإننا نطبق ما ذكرناه و ما سيأتي من أنه هل يمكن العدول في الاحتياطات الوجوبية التي يقول بها مرجع التقليد أم لآ .
و قد قلنا بانه بحسب فتوى السيد السيستاني : إذا كان أحد المكلفين يرى أعلمية السيد السيستاني على غيره من المجتهدين و قد احتاط السيد في مسألة و استشكل ولم يجزم بالفتوى لا بالوجوب ولا بالحرمة ، وفي مسألتنا المفروضة لم يجزم بانعزال القيّم أو عدم انعزاله ، فإنه :
إن كان يرى – بحسب الوسائل المعتمدة للتشخيص للأعلمية – أن هناك مرجعاً من المراجع الأحياء هو الأعلم بعد السيد السيستاني كأحد الذين ذكرناهم ، فإنه يأخذ برأيه في هذه المسألة أو غيرها .
و إن كان لم يثبت له أعلمية أحد المراجع بعد السيد السيستاني بأن كان يراهم إما متساوين أولا يُحرز أعلمية أحدهم ، ولم يتضح له أن أحد هؤلاء المراجع هو الأورع في مقام الافتاء ، فإن ذلك القيّم أو المتولي في مسألتنا الحاضرة أو المكلف في غير تلك المسالة يرجع إلى أي واحد من هؤلاء المراجع على نحو التخيير بينهم و يعمل برأيه .
رد: شرح منهاج الصالحين – السيد السيستاني
مسألة ۲۶ : حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر ، إلا إذا كان مخالفاً لما ثبت قطعا من الكتاب والسنة ، نعم لا يكون حكمه مغيّراً للواقع ، مثلاً : من علم ان المال الذي حكم به للمدعي ليس ملكاً له لا يجوز ترتيب آثار ملكيته .
****************
( حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتى لمجتهد آخر ، إلا إذا كان مخالفاً لما ثبت قطعا من الكتاب والسنة )
المقصود بالحكم هنا يختلف عن المقصود بالافتاء ، إذ الافتاء هو الإخبار عن الحكم الشرعي الكلي ، مثل الافتاء بوجوب شيء أو حرمة شيء آخر ، او استحباب شيء أو كراهة شيء آخر ، وهكذا ، ففي الافتاء لا يشخّص المرجع الفقيه الموضوعات الخارجية المحضة ، فعندما يقول الفقيه المجتهد بأن الخمر حرام ، فهو لا يشخّص في الواقع الخارجي أن هذا السائل و المائع الخارجي هو خمر و ذالك ليس بخمر ، إذ مهمة الفقيه هو الافتاء بأن الخمر حرام ، و أما تشخيص الموضوع فإنه من مهمة المكلف عند الامتثال .
و أما الحكم ، فإن المراد به هو إنشاء الحكم الجزئي في المرافعات و القضاء بين الناس ، كأن يقضي بأن هذا المال لفلان أو هذه زوجة فلان ، أو الحكم الصادر من الفقيه العادل المقبول لدى عامة الناس بموجب اقتضاء المصالح الوقتية بعنوان الولاية ، إذ تثبت للفقيه الولاية في الأمور الحِسبيّة ( المقصود بالأمور الحسبيّة : أي التي يؤتى بها احتساباً ورجاءً و طمعاً في الأجر الإلهي العظيم ، فمن يقوم بأحد هذه الأمور الحسبية فإنه يرجو و يأمل الثواب الالهي العظيم على القيام بهذا الأمر و الاهتمام به ، و المراد بها ما لا يرضى الشرع الشريف بتركها و إهمالها بأي وجه ولم يوظّف و يُعيّن لها شخص معيّن أو جهة معيّنة شرعاً ، و بالتالي تكون في عدة الفقيه المجتهد ، و ذلك مثل رعاية مصالح الغُيّب و القُصّر ، و إجبار الممتنع عن النفقة على زوجته أو إجبار الممتنع عن أداء الدين الذي بذمته للأخرين ، و تولية الأوقاف ، ووصية من لا وصي له ، وهكذا ) و في الأمور العامة التي يتوقف عليها نظام المجتمع الإسلامي ، فإذا رضي الناس و قبلوا بأن يكون الفقيه هو المتصرف و الآمر و الناهي في شؤونهم العامة فإنه الولاية تكون حينئذ ثابتة و تترتب أحكامها ألاتية .
و لا أقصد برجاء الثواب ما سيأتي الحديث عنه في مسالة ۳۲ من كتاب التقليد ، بل أقصد من الاحتساب و الرجاء للثواب هو الطلب للثواب و العمل من أجل الله تعالى ، والاحتساب من الحسب كالاعتداد من العد ، وإنما قيل لمن ينوي بعمله وجه الله احتسبه ، فالإحتساب في الأعمال الصالحة و عد حصول المصائب هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالتسليم و الصبر ، أو باستعمال أنواع البر و القيام بها على الوجه المطلوب فيها طلباً للثواب المرجو منها ، وقد ورد في الروايات ذلك ، من مثل ما ورد ( و عند الله أحتسب عنائي ) أو مثل ( من لبّى في إحرامه سبعين مرة إيماناً و احتساباً أشهد الله له ألف ألف ملك براءة من النار و براءة من النفاق ) أو مثل ( من صام يوماً يوماً من رجب إيماناً و احتساباً ، جعل الله تبارك و تعالى بينه و بين النار سبعين خندقاً ) أو مثل ( ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إلا أوجب الله له سبع خصال … ) أو مثل ( من مات له ولد فاحتسبه .. ) أي احتسب الأجر بصبره على مصيبته .
و على كل حال :
هناك بعض الموارد وقع فيها الخلاف بين الفقهاء في انها تكون مورداً لحكم الحاكم أم لا ، من مثل مسألة الحكم بالهلال أو من مثل مسألة اثبات كون هذا المسجد هل هو مسجد جامع يصح الاعتكاف فيه أم هو ليس بمسجد جامع يصح الاعتكاف فيه ، و ما شابه ذلك .
و أما في غير هذين الموردين المتقدمين فلا تثبت ولاية الفقيه و حاكميته على أي أحد من الناس ، كأن يأمر بالجهاد ضد الكفار ابتداءً لا للدفاع – إذ مثال الجهاد الابتدائي حسب راي السيد السيستاني ليس واجباً في زمن الغيبة حتى يكون من الأمور الحسبية التي تكون للفقيه ولاية عليها ، و الأمور الحسبية لا شك أنها من الأمور الواجبة التي لا يرضى الشرع بتركها و إهمالها ، و الجهاد ليس منها .
نعم بناءً على راي السيد الخوئي يكون الجهاد الابتدائي من الأمور الحسبية التي يتصدى لها الفقيه .
و إذا ثبتت الولاية للفقيه و الحاكيمة في مواردها المتقدمة فإنه لا تتحدّد ببقعة جغرافية .
و المقصود بالحاكم هو المجتهد العادل و إن لم يكن هو الأعلم .
و النتيجة أنه : لو حكم الحالكم الشرعي الذي هو المجتهد بحكم من الأحكام – و قد اتضح معنى الحكم مما مرّ أعلاه – فإنه لا يجوز مخالفته ، ولا يجوز نقضه و الحكم بحكم آخر حتى ولو كان الحكم الذي ينقضه صادر من مجتهد آخر ، إلا إذا تبيّن خطؤه و مخالفته لما ثبت قطعاً من المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي ( الكتاب و السنة المطهرة للمعصومين عليهم صلوات الله و سلامه ) ، كما إذا حكم بثبوت الولد لفلان من خلال القيافة ، فإن الحكم بالقيافة مخالف للكتاب و السنة المطهرة في الاثبات النسبي .
فلو أصدر الفقيه حكماً قضائياً بأن فلانة هي زوجة فلان ، فإنه لا يجوز لمجتهد آخر أن ينقض هذا الحكم و يحكم بانه ليست زوجة فلان ، إلا إذا ثبت من خلال الدليل القطعي أن ذلك الحكم الصادر من المجتهد الأول مخالف للكتاب و السنة المطهرة .
و كذلك لو أصدر الفقيه حكماً عاماً من الأمور العامة التي يتوقف عليها نظام المجتمع الاسلامي ككل ، و كانت للمجتهد مقبولية عند سائر الناس ، بحيث رضوا به أن يكون هو الآمر و الناهي في شؤونهم العامة ، فإنه لا يصح نقض هذا الحكم من قبل مجتهد آخر ، إلا إذا ثبت من خلال الدليل القطعي أن ذلك الحكم الصادر من المجتهد الأول مخالف للكتاب و السنة المطهرة .
و هذا الحكم يكون نافذا و ساري المفعول حتى على غير مقلدي ذلك الحالكم الشرعي إن كان له مقلدون يرجعون إليه ، بل هو نافذ و ساري المفعول بالنسبة للفقهاء الآخرين أيضاً إذا لم يثبت لديهم مخالفته للشرع الشريف و الدليل القطعي من الكتاب و السنة المطهرة .
( نعم لا يكون حكمه مغيّراً للواقع ، مثلاً : من علم ان المال الذي حكم به للمدعي ليس ملكاً له لا يجوز ترتيب آثار ملكيته . )
فإذا حكم الحالكم في مرافعة قضائية بأن هذا المال هو لفلان و ليس لفلان طبقاً للشهادات و الوسائل الاثباتية التي تُعتمد في هذا المجال ، فإن هذا الحكم لا يُغيّر الواقع عما هو عليه ، فلو كان هذا المال لفلان ( أ ) ، و لكن بما أن فلان ( ب ) عنده من الوسائل التي فبركها لكي يُحكم له بالقضية و يكسبها ، كأن اتى بشهود يقولون بأن هذا المال هو له ، و أتى بشهود يشهدون بعدالة هؤلاء الشهود ، و حكم الحاكم بثبوت هذا المال لفلان ( ب ) ، فإن هذا الحكم من قبل الحاكم بناءً على هذه المعطيات لا تغيّر من حقيقة الأمر شيئاً ولا تقلب الأمر عمّا هو عليه من الواقع بحيث تتبدل ملكية فلان ( أ ) إلى عدم ملكية ، و عدم ملكية ( ب ) إلى ملكية ، بل إنه يبقى كل شيء على ملكية مالكه الأصلي ، و من حكم له الحاكم بذلك المال لا يكون حلالاً له ، بل يجب عليه إرجاعه لصاحبه ، لأن أخذه بحكم الحاكم حينئذ مع عدم ثبوته له إنما هو أخذ لقطعة من نار جهنم و العياذ بالله تعالى .
مسألة ۲۷ : إذا نقل ناقل ما يخالف فتوى المجتهد ، وجب عليه – على الأحوط – إعلام من سمع منه ذلك ، اذا كان لنقله دخل في عدم جري السامع على وفق وظيفته الشرعية ، والا لم يجب اعلامه . وكذا الحال فيما اذا اخطأ المجتهد في بيان فتواه .
وأما إذا تبدّل رأي المجتهد ، فلا يجب عليه إعلام مقلّديه فيما إذا كانت فتواه السابقة مطابقة لموازين الاجتهاد ، و كذلك لا يجب على الناقل إعلام تبدّل الرأي .
*************************
( إذا نقل ناقل ما يخالف فتوى المجتهد )
فلو أن عالم البلدة أو المرشد في الحج و العمرة أو في المنتدى أو في اي موقع من المواقع نقل فتوى عن مرجع إلى المستمعين أو القارئين أو غيرهم ثم انكشف له أنه كان مشتبهاً في نقله الفتوى .
( وجب عليه – على الأحوط – إعلام من سمع منه ذلك ، اذا كان لنقله دخل في عدم جري السامع على وفق وظيفته الشرعية )
فإنه يجب عليه على الأحوط لزوماً ( السيد السيستاني لم يقل بالوجوب الفتوائي في المسألة و إنما تنزّل من الفتوى إلى الاحتياط اللزومي ) في حال النقل الخاطئ للفتوى أن يُعلم الأشخاص الذين سمعوا منه الفتوى أو نقلها لهم أنه مشتبه و خاطئ في نقل الفتوى ، و هذا الاحتياط الوجوبي بالإعلام بالاشتباه في نقل الفتوى إنما يكون في حالة ما إذا كان سيترتب على نقله لتلك الفتوى عمل السامعين أو المنقول إليهم بتلك الفتوى خلافاً للوظيفة الشرعية التي يفتي بها مرجع تقليدهم .
فلو أن شخصاً نقل فتوى تقول بأن السيد السيستاني يفتي بعدم وجوب اخراج الخمس من أموال الصبي بالنسبة للولي في حال مرور عام كامل على تملّك الصبي لتلك الأموال ، فإن ذلك النقل لبعض من يقلد السيد السيستاني يترتب عليه أن لا يقوم ذلك الولي بإخراج الخمس من أموال الصبي في حال مرور عام كامل على تملّك الصبي لها ، و من هنا يجب على الأحوط لزوماً على من نقل الفتوى بشكل خاطئ أن يُبيّن لهؤلاء الناس الذين يُقلّدون السيد السيستاني أنه قد اشتبه في نقل الفتوى ، حتى لا يقوموا بترك الوظيفة الشرعية .
وهل يجب على من نقل الفتوى أن يُبيّن لهم الفتوى الصحيحة بعد بيانه لهم أنه مشتبه في نقل الفتوى ؟
نص بعض الاستفتاءات إطلاق وجوب إرشاد الجاهل ، وهذا نص الاستفتاء :
( السؤال : هل يجب إعلام الجاهل بضرورة التقليد في الأحكام الشرعية ؟ الجواب : نعم لوجوب إرشاد الجاهل ) .
( والا لم يجب اعلامه )
فلا يجب الإعلام لمن نقل لهم الفتوى بشكل خاطئ في حال إذا لم يترتب على نقله للفتوى لهم أن يعملوا بشكل مخالف للوظيفة الشرعية ، و ذلك :
أ – إذا نقل فتوى غير مبتلى بها في الواقع الحياتي ، و مثاله : إذا نقل لهم فتوى عن السيد السيستاني تقول بأن عدة الوفاة للمرأة الأمة غير الحرّة إذا كانت حاملاً من المتوفى هي أربعة أشهر و عشرة ايام ، فإن الفتوى المنقولة بهذا الشكل خاطئة ، إلا أنه لو نقلها إلى الناس فلا يجب على الناقل أن يُعلم الناس بأنه قد أخطأ في نقل الفتوى ، و ذلك لعدم ترتب مخالفة للوظيفة الشرعية من رأس ، إذ القضية سالبة بانتفاء الموضوع كما هو واضح .
ب – إذا نقل فتوى تتوافق مع الاحتياط ، فلو أنه نقل فتوى تقول بأن السيد السيستاني يرى وجوب ضم الوضوء مع أي غسل مستحب قد ثبت استحبابه شرعاً ، ثم تبيّن أن نقله لهذه الفتوى كان اشتباهاً و أن السيد يرى كفاية الغسل المستحب و عدم وجوب ضم الوضوء مع الغسل ، ففي هذه الحالة لا يجب على الناقل أن يُبيّن لمن نقل لهم أنه قد أخطأ في نقل الفتوى و أن السيد لا يقول بالوجوب ، و سبب عدم وجوب الاعلام حينئذ قائم و مستند إلى أن عمل المكلفين بما نقله من فتوى لا يُخالف الوظيفة الشرعية ، إذ لو أن أحدهم أتى بالوضوء مع الغسل المستحب فلا يعد ذلك مخالفاً للوظيفة الشرعية ، بل هو موافق للإحتياط .
وكذا لو نقل لهم مثلاً أن المرجع الفلاني يقول بوجوب تكرار التسبيحات الأربع ثلاث مرات ( و هي قول : سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر ) في قيام الركعتين الثالثة و الرابعة ، ثم تبين عدم صحة ما نقله و ان المرجع يرى وجوب الاتيان بتلك التسبيحات الأربع مرة واحدة .
( وكذا الحال فيما اذا اخطأ المجتهد في بيان فتواه . )
و ما فصلناه آنفاً يجري هنا حذو القُذّة بالقُذّة ( و حذو الجوتي بالجوتي !!!! ) .
( وأما إذا تبدّل رأي المجتهد ، فلا يجب عليه إعلام مقلّديه فيما إذا كانت فتواه السابقة مطابقة لموازين الاجتهاد )
و اما في حالة ما إذا تغيّر رأي المرجع من الوجوب لذلك الشيء الفلاني إلى عدم الوجوب أو العكس ، أو من الحرمة لذلك الشيء الفلاني إلى عدم الحرمة أو العكس ، و ما شابه ذلك .
فهنا هل يجب عليه إعلام مقلّديه و إصدار بيان بأن الفتوى قد تغيّرت ؟
السيد السيستاني يقول : بأنه لا يجب على المرجع ذلك إذا كانت فتواه قد صدرت منه موافقة و مطابقة للموازين الاجتهادية الشرعية ، كما إذا كان يرى دليلاً من الأدلة الاجتهادية التي على أساسها أصدر الفتوى الأولى ، ثم تغيّر رأيه في ذلك الدليل الاجتهادى ، كما لو كان معتمداً على رواية و قد فحص في الأدلة فلم يجد معارضاً لتلك الرواية ، ثم وجد رواية هي نفس الرواية التي اعتمد عليها في الفتوى الأولى و لكن مع وجود زيادة فيها في نسخة خطية معتمدة لم تكن منشورة سابقاً ولم يطلع عليها في الماضي ، فقام بتغيير تلك الفتوى الأولى طبقاً لتلك الرواية التي وجدها أخيراً في تلك النسخة الخطية مثلاً .
و النتيجة أنه إذا كانت الفتوى الأولى مطابقة للموازين الاجتهادية الشرعية فلا يجب عليه أن يُعلم مقلّديه بتغيير فتواه ، لعدم وجوب الافتاء عليه حينئذ .
( و كذلك لا يجب على الناقل إعلام تبدّل الرأي )
فلو نقل الناقل فتوى عن السيد الخوئي بأن الغسل لزيارة المعصومين عليهم السلام من قريب أو بعيد هو من الأغسال المستحبة التي تجزي و تكفي عن الوضوء ، ثم تبدّل رأي السيد الخوئي إلى أن الغسل المستحب الثابت استحبابه و الذي يجزي عن الوضوء هو الغسل لزيارة الامام الحسين عليه السلام عن قرب و من ماء الفرات فقط و أن الغسل للزيارة عن بعد لأي معصوم غير ثابت استحبابه و أنه لا يصح الاقتصار عليه ، بل لا بد من ضم الوضوء إليه حتى تصح منه الأعمال العبادية من الصلاة وغيرها ، فإنه لا يجب على الناقل للفتوى الأولى أن ينقل لمن نقل لهم الفتوى االثانية المخالفة للأولى ، إذ هو لم يشتبه في النقل حتى يجب عليه أن يُبيّن الاشتباه لمن نقل لهم الفتوى اشتباهاً ، و إنما نقل فتوى مطابقة للموازين الشرعية التي اعتمدها المرجع في فتواه الأولى .
مسألة ۲۸ : اذا تعارض الناقلان في فتوى المجتهد ، فان حصل الاطمينان الناشىء من تجميع القرائن العقلائية بكون ما نقله أحدهما هو فتواه فعلاً فلا إشكال ، والا فإن لم يمكن الاستعلام من المجتهد عمل بالاحتياط ، أو رجع الى غيره – وفق ما سبق – ، أو أخّر الواقعة إلى حين التمكن من الاستعلام.
**************
( اذا تعارض الناقلان في فتوى المجتهد )
فلو نقل ناقل فتوى للسيد الخوئي بأن المأموم إذا سمع المأموم قراءة الإمام في الركعتين الأولتين من الصلاة الاخفاتية بسبب استخدامه مكبرة الصوت مع العلم أنه يخفت فعلاً ، بحيث لولا مكبرة الصوت لم يسمع عادة ، فإن ذلك لا يضر ، و يجوز للمأموم التسبيح في تلك الحالة ، والله العالم . ( لاحظ صراط النجاة ج ۳ سؤال ۲۴۰ )
و نقل ناقل آخر فتوى للسيد الخوئي تقول بأنه في حال سماع المأموم لصوت الامام حال القراءة في مطلق الصلاة جهرية أو اخفاتية ، فإن الواجب عليه الانصات لقراءة الإمام أو همهمته ، و الظاهر منافاة اشتغال المأموم بالذكر للإنصات ، و الله العالم . ( لاحظ صراط النجاة ج ۳ سؤال ۲۳۳ )
( فإن حصل الاطمينان الناشىء من تجميع القرائن العقلائية بكون ما نقله أحدهما هو فتواه فعلاً فلا إشكال )
فإن أمكن المكلف أن يستعلم و يسأل عن الرأي الصحيح من الرايين من خلال نفس المجتهد أو عن طريق من كان يجيب على الاستفتاءات عند ذلك المرجع بحيث يعرف آراء المرجع و مبانيه الفقهية مع ملازمته له ، و حصل على العلم أو اليقين بثبوت أحد الفتويين ، أخذ بها بما ثبت له .
و كذا لو حصل المكلف على الأدلة و القرائن التي تبيّن و توكّد على أن الفتوى الأولى هي الصحيحة أو العكس ، من مثل ملاحظة اختلاف التاريخ و تأخر تاريخ صدور الاستفتاء الأول أو العكس ، أو من خلال معرفة أن الاستفتاء الأول أو العكس هو المتوافق مع مباني السيد الخوئي مع موافقته للإحتياط مثلاً بحيث حصل الوثوق والاطمئنان من خلاله بكون الاستفتاء الأول أو العكس هو رأي السيد الخوئي و أن الاستفتاء الأول أو العكس هو مخالف لمباني السيد الخوئي و لا يوافق الاحتياط ، ففي كل ذلك و غيره من القرائن التي يمكن تحصيلها وتجميعها لتبيان صحة فتوى دون أخرى ، فإن المكلف يعمل بالفتوى التي تقترن بذلك .
( والا فإن لم يمكن الاستعلام من المجتهد عمل بالاحتياط ، أو رجع الى غيره – وفق ما سبق – ، أو أخّر الواقعة إلى حين التمكن من الاستعلام. )
و أما إذا انسد على المكلف باب المعرفة بما عليه رأي المجتهد المتأخر من الفتويين المنقولتين ، فلا يعلم أيهما الصحيح من الفتويين ، أو لا يعلم المتقدم من المتأخر منهما ، أو لم يكن هناك احتمال لتغيّر رأي المجتهد ، ففي ذلك ، حيث لا يمكنه الاستعلام من المجتهد ولا ممن كانوا يلازمون المجتهد ممن يعرفون مبانيه الفقهية ، فإن عليه :
أ – أن يحتاط في المسألة ( ففي مسألة سماع صوت الإمام في الصلاة الاخفاتية بسبب استعمال مكبرة الصوت ، فإن على المأموم أن يحتاط بالانصات و عدم الاتيان بالذكر ) .
ب – أو يرجع إلى مجتهد آخر مع ملاحظ الأعلم فالأعلم إن كان ذلك متحققاً ، وإن لم يتحقق ذلك بأن كان الفقهاء متساوون في الأعلمية أو أنه لم يحصل العلم بأعلمية أحدهم ، فإن لم يكن أحدهم أورع في مقام الافتاء ، فإنه يتخيّر في تقليد أي واحد من هؤلاء الفقهاء و يطبّق عمله على فتواه .
ج – أو أخّر و أجّل العمل بالواقعة إلى حين الاستعلام و التأكد من الفتوى و أن أي المنقول منهما هو الصحيح أو هو المتأخر في تاريخ الصدور ، كما هو الحال في أمور أخرى غير المثال الذي طرحناه عن مسألة سماع صوت الامام من مكبرة الصوت ، و مثال ذلك ، ما لو سمع المكلف فتويين متعارضتين لنفس مرجعه ، فتوى تقول بأنه يجوز له أخذ الربا من زوجته ، و فتوى تقول بعدم الجواز ، فإنه إذا لم يستطع التحقق منهما ، ولا يريد أن يعمل بالاحتياط مثلا ً ، ولا يريد ان يرجع إلى فقيه آخر ، فإنه يؤخّر العمل بتلك الواقعة ، و هي إقراض زوجته و أخذ الربا منها إلى حين حصوله على الرأي الصحيح في المسألة . مسألة ۲۹ : العدالة ـ التي مرّ أنها تعتبر في مرجع التقليد – هي : الاستقامة في جادّة الشريعة المقدّسة الناشئة غالباً من خوف راسخ في النفس ، وينافيها ترك واجب أو فعل حرام من دون مؤمّن ، ولا فرق في المعاصي في هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة ، و ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية و تعود بالتوبة و الندم .
**************************
( هي : الاستقامة في جادّة الشريعة المقدّسة الناشئة غالباً من خوف راسخ في النفس )
فالعدالة هي الاستقامة على طريق الشرع و نهجه ، و هذا لا يكون إلا باتباعه و عدم الخروج عن الطريق الذي رسمه لعباده .
و تكون تلك الاستقامة ناشئة و منطلقة من الدواعي الالهية التي تقتضي الثبات على طريق الحق ، من مثل حب الله تعالى و حب امتثال أوامره و حب الانتهاء عن نواهيه ، و الخوف من عقابه الشديد ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) ، و هذه الدواعي التي تكون مستنداً إلى الاستقامة على طريق الحق و الشريعة المقدسة تكون ثابتة راسخة ، بحيث تدعو الشخص إلى الانطلاق لسلوك طريق الحق و عدم الاستيحاش من قلة سالكيه .
( وينافيها ترك واجب أو فعل حرام من دون مؤمّن )
هذه العدالة بهذا المعنى الذي ذكرناه ، لا تستقيم ولا تتلاءم مع مخالفة الشريعة المقدسة من خلال ترك الواجبات أو فعل المحرمات ، إذ فعل المرحم و ترك الواجب لا يُعبّر عن حقيقة حب الانسان لله تعالى ولا للخوف من عقابه .
نعم قد توجد حالات استثنائية يُعذر فيها التارك للواجب أو الفاعل للحرام ، كما إذا تزاحم عنده الأمر بين قتل إنسان مؤمن أو الابقاء على نفسه ( بحيث خيّره الظالم المجرم بين أن يقتل ذلك المؤمن الفقيه – كقتل الشهيد السيد الصدر – و بين ترك ذلك فيقتله الظالم ) و كانت فتوى ذلك المجتهد هو وجوب حفظ النفس و الضن بها وعدم تعريضها للقتل ولو كان ذلك الحفظ يؤدي إلى قتل إنسان مؤمن آخر فقيه كالشهيد السيد الصدر ، فإن هذا يعتبر حينئذ من المؤمّن و الحافظ من العقاب الالهي ، إذ كونه مجتهداً توصّل إلى هذا الرأي في حال التزاحم في المسألة المطروحة آنفاً يجعله ذلك الاجتهاد معذوراً عند الله تعالى و يكون قد حصل على تأمين إلهي من العقاب .
( ولا فرق في المعاصي في هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة )
فمطلق المعصية يتنافي مع العدالة و الاستقامة على طريق الحق ، سواء كانت المعصية صغيرة أو كبيرة .
( و ترتفع العدالة بمجرد وقوع المعصية و تعود بالتوبة و الندم . )
فإذا فعل المعصية و دخل في طاعة الشيطان و الهوى و انحرف عن طريق الحق – من دون عذر شرعي – فإن عنوان العدالة و الاستقامة ينتفي و يذهب ، و إذا رجع إلى نفسه و فتح الله عليه باب التوبة ليتوب ( ثم تاب الله عليهم ليتوبوا ) فإن العدالة تعود له إذا كان رجوعه صحيحاً ( المقيم على الذنب و هو منه مستغفر كالمستهزئ ) ( المستغفر من ذنب يفعله كالمستهزئ بربّه ) .
مسألة ۳۰ : إن من أعظم المعاصي : الشرك بالله تعالى ، واليأس من روح الله تعالى أي رحمته و فرجه ، والأمن من مكر الله تعالى أي عذابه للعاصي و أخذه إياه من حيث لا يحتسب ، و إنكار ما أنزل الله تعالى ، و المحاربة لأولياء الله تعالى ، و استحقار الذنب فإن أشد الذنوب ما استهان به صاحبه ، وعقوق الوالدين وهو الاساءة إليهما بأي وجه يُعدّ تنكُّراً لجميلهما على الولد ، وقتل المسلم بل كل محقون الدم ، و كذلك التعدّي عليه بجرح أو ضرب أو غير ذلك . وقذف المُحصن و المُحصنة وهو رميهما بارتكاب الفاحشة كالزناء من دون بيّنة عليه ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، و البخس في الميزان و المكيال و نحوهما بأن لا يوفي تمام الحق إذا كال أو وزن و نحو ذلك ، و السرقة و كذلك كل تصرّف في مال المسلم و من بحكمه من دون رضاه ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا بنوعيه المعاملي و القرضي ، والزناء واللواط و السحق و الاستمناء و جميع الاستمتاعات الجنسية مع غير الزوج و الزوجة ، و القيادة و هي السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المُحرّم ، و الدياثة وهي أن يرى زوجته تفجر و يسكت عنها ولا يمنعها منه ، و القول بغير علم أو حجة ، و الكذب حتى ما لا يتضّرر به الغير ، ومن أشده حرمة الكذب على الله أو على رسوله ( صلى الله عليه و آله ) و الأوصياء ( عليهم السلام ) و شهادة الزور و الفتوى بغير ما أنزل الله ، واليمين الغموس وهي الحلف بالله تعالى كذباً في مقام فصل الدعوى ، و كتمان الشهادة ممن أُشهِد على أمر ثم طُلب منه أداؤها بل و إن شهده من غير إشهاد إذا ميّز المظلوم من الظالم ، فإنه يحرم عليه حجب شهادته في نصرة المظلوم ……….
*******************
في هذه المسألة بيّن السيد السيستاني عدداً من أعظم المعاصي عند الله تعالى ، و هي من موجبات البُعد عن الله تعالى ، و قد حذّرنا الله تعالى و رسوله و أولياؤه عليهم الصلاة والسلام من ارتكابها ، و أمرنا بأن لا نطيع الشيطان حيث يستهوينا ( لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ) ، و قد اتضح مما سبق أن مرجع التقليد لا بد أن يكون متجنباً عن الصغير من الذنوب فضلاً عن الكبير حتى يتحقق في حقه شرط العدالة .
۱ – ( الشرك بالله تعالى )
فالمشرك هو الذي يعبد الأصنام و الآلهة ، باعتقاد أن عبادتها تُقرّب إلى الله زلفى ، و يعتقد بأن الموت و الحياة و الرزق و المرض و غيرها بيد هؤلاء الشفعاء و أن لها الاستقلالية في تلك الشؤون ، إذ لا فرق بين الشرك في الذات أو في العبادة ، و أشد منه و أسوأ هو المنكر لوجود الله تعالى و هو المسمّى بالملحد .
۲ – ( واليأس من روح الله تعالى أي رحمته و فرجه )
فقد ورد في الحديث الصحيح عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : جعلت فداك إني قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة وقد دخل قلبي من إبطائها شيء ؟
فقال : يا أحمد ، إياك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنّطك – إلى أن قال – إن صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فأُعطي طلب غير الذي سأل وصغرت النعمة في عينه ، فلا يشبع من شيء ، وإذا كثر النعم كان المسلم من ذلك على خطر ، للحقوق التي تجب عليه وما يخاف الفتنة فيها ، أخبرني عنك : لو أني قلت لك قولا كنت تثق به مني ؟
فقلت له : جعلت فداك ، إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة الله على خلقه ؟ !
قال : فكن بالله أوثق ، فإنك على موعد من الله عز وجل ، أليس الله يقول : ( وإذا سألك عبادي عني فاني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ) وقال : ( لا تقنطوا من رحمة الله ) ؟ وقال : ( والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ) ؟ فكن بالله أوثق منك بغيره ، ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيراً فانه مغفور لكم .
فهذه الرواية تبيّن خطورة اليأس من روح الله و رحمته و فرجه ، إذ اليأس سبب لانتكاسة الانسان و خروجه عن الصراط المستقيم ، إذ يُعتبر حينئذ من الأمور التي تجر الإنسان إلى الكلام غير اللائق مع الله ، و جعل الله تعالى كأنه شيء هامشي في هذه الحياة ، و سبب لكثير من المشكلات النفسية الخطيرة على الانسان ، بل هو سبب رئيسي للإنتحار و قتل النفس ، و علاج ذلك أن يعيش الانسان الأمل بالله تعالى و أنه الله يفيض النعم على ذلك الانسان و يدفع عنه المكاره ، فكم من مكروه قد دفعه ، و كم من عثار قد وقاه ، و على الإنسان أن يعيش مع نفسه التأمل الصحيح ليصل إلى النائج الصحيحة ، و عكس ذلك هو الدمار و الخسران .
۳ – ( والأمن من مكر الله تعالى أي عذابه للعاصي و أخذه إياه من حيث لا يحتسب )
و المراد بالمكر هو العذاب الدنيوي ، كخسف الأرض ، و إرسال الحاصب ، و غير ذلك ، وليس بشامل للعذاب الأخروي .
و المقصود من الشخص الآمن من مكر الله تعالى هو الذي لا يبالي بالدين و بالحلال و الحرام ، ويفعل ما يشاء ، و يترك ما يشاء ، فكأنه لا جنّة ولا نار ، فهو يرى أن الله غير قادر على إيصال العذاب الإلهي له إذا فعل الجرائم ، و كأن لسان لسان حاله يقول : ( أنا سأفعل ، ولن يصلني شيء من العذاب ) و كأنه يقول كما يقول باللهجة العامة ( أنا بسوّي الشيء الفلاني و الله ما يقدّر ايحرك ساكن في القضية و إيش بإيسوّي الله !!!!!!!!!!!!!! ) – أعاذنا الله من الجهل و الضلال .
– ( و إنكار ما أنزل الله تعالى )
و هو أن يجحد الانسان ما أنزل الله من البينات و الهدى ، و الإنكار تارة يكون بأن لا يتديّن بأي دين ، أو يتديّن بدين غير دين الاسلام ، أو يتديّن بدين الاسلام و لكنه يجحد و ينكر ما يُعلم أنه من الدين الاسلامي بحيث يكون مستند جحوده و إنكاره هو إنكار الرسالة و لو في الجملة ، وهذا الانكار للرسالة يبتني على تكذيب النبي صلى الله عليه و آله في بعض ما بلّغه عن الله تعالى في العقائد كالمعاد أو في غيرها من الأحكام ( كإنكار وجوب الصلاة و الحج و وجوب الستر الشرعي و إنكار حرمة الربا و تحليل اللواط و ما شابه ذلك ) ، بل هذا كله ليس مما نعتبره معصية فقط ، بل هو الكفر بعينه .
۵ – ( و المحاربة لأولياء الله تعالى )
فالعداء لأولياء الله و الكيد لهم و هتك حرمتهم و قتلهم و تشريدهم هو محاربة لأولياء الله تعالى ، و محاربتهم إن كانت لموالاتهم لله تعالى فهي حرب لله تعالى و استلزمت النفاق أو الكفر ، و إن كانت لنفس أشخاصهم فهي تتنافى مع حق المؤمن ، إذ يحرم ايذاء المؤمن و إهانته و خذلانه و إذلاله و احتقاره ولاستخفاف به ..
و ظأهر إطلاق عبارة السيد السيستاني أن المراد بأولياء الله هو عموم المؤمنين لا خصوص الأئمة الطاهرين عليهم السلام .
۶ – ( و استحقار الذنب فإن أشد الذنوب ما استهان به صاحبه )
وهو أن يذنب الشخص ذنباً فيقول : ليس عندي ذنوب غير الذنب الفلاني ، و أنا أحسن من غيري الذي هو مشحون بالذنوب ، وهذا تحقير للذنب و ستهوان به ، الذي يستلزم عدم الرجوع عنه و عدم الاهتمام بالخروج من تبعاته بالتوبة و الاستغفار .
۷ – ( وعقوق الوالدين وهو الاساءة إليهما بأي وجه يُعدّ تنكُّراً لجميلهما على الولد )
فقول أف و التضجّر منهما لمجرد أنهما قالا له شيء أو فعلا له شيء و عدم احترامهما بأس شكل من أشكال عدم الاحترام و رفع الصوت عليهما و ضربهما و النظر بحدّة وشزر إليهما و عدم مساعدتهما في ما يحتاجانه و عدم زيارتهما مطلقاً خصوصاً في حال اجتياجهما لمساعدته كأيام الكبر .
و يحرم أيضاً مخالفتهما في أوامرهما و نواهيهما إذا أوجبت المخالفة لهما تأذّيهما الناشئة من شفقتهما على الولد .
۸ – ( وقتل المسلم بل كل محقون الدم ، و كذلك التعدّي عليه بجرح أو ضرب أو غير ذلك )
السابّ لرسول صلى الله عليه و آله أو ابنته الطاهرة سيدة نساء العالمين أو الأئمة الطاهرين عليهم السلام ، و المرتد الفطري حتى و إن تاب ، و الكافر الحربي و المحارب و المهاجم القاصد للنفس أو العرض أو المال ، و من يُقتل بقصاص أو حد و غير ذلك ، و من يكون القتل سائغاً في حقه ، فإنه يجوز قتله ، و أما غيرهم قلا يجوز قتلهم ولا التعدي عليهم سواء كانوا من المحقونين الدم من المسليمن أو من غيرهم ، بل ولا يجوز التعدي عليهم بأقل من القتل .
و بحسب رأي السيد السيستاني أن الكافر غير الذمي إذا مُنح الأمان على نفسه و ماله من قِبَل المسلمين بعقد أمان أو صلح أو عهد أو نحو ذلك فهو محترم النفس و المال بمعنى أنه لا يجوز قتله و أخذ أمواله ما دام الأمان باتاً .
و أما غيره :
فإن كان محارباً للإسلام و المسلمين يسعى في الاضرار بهم و الوقيعة فيهم فلا إشكال في عدم احترام نفسه و ماله ، نعم ربما يحرم قتله و أخذ أمواله بعنوان ثانوي طارئ ككون ذلك موجباً للإضرار بالمسلمين من حيث تحريض الكفار على الاعتداء عليهم و نحو ذلك .
و أما من لم يكن محارباً ، فإن دُعي إلى الاسلام و لم يستجب كان في حكم الحربي ، و أما قبل عرض الاسلام عليه فلا يجوز أخذ أمواله .
۹ – ( وقذف المُحصن و المُحصنة وهو رميهما بارتكاب الفاحشة كالزناء من دون بيّنة عليه )
و هذه بليّة البلايا ، إذ أن المجتمع أو الأفراد الذين ينساقون لألاعيب الشيطان في رمي المؤمنين بالفاحشة و الزنا و اللواط هم مجتمع فاشل و أفراد فاشلون و لا يساوون شيئاً عند الله تعالى ، إذ أن المؤمن في هذه الأمور يكون شعاره ( ما يكون لنا ان نتكلّم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ) . و البينة التي تثبت بها جريمة الزنا و اللواط ، هي أن يتوفر أربعة شهود عدول يرون واقعة الزنا أو اللواط بالتمام و الكمال ، فإذا توفرت البينة ثبتت جريمة الزنا أو اللواط ، ووجب إقامة الحد الشرعي حيئنذ ، و لإقامة للحد شروط تُعلم من كتب الأصحاب رضوان الله عليهم .
– ( وأكل مال اليتيم ظلماً )
فالاستيلاء على أموال اليتيم و حرمانه منها موجب لدخول النار ( إن الذين يأكلون أموال اليتاني ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً و سيصلون سعيراً ) .
نعم إذا كان اليتيم في بيت – سواء كانت معه أمه أم لا – إذا كان له مال ، فإنه يجوز لولي الطفل اليتيم و القائم بشؤونه أن يخلطه بعائلته و يحسبه كأحدهم في الأمور التي يتعارف الاختلاط فيها كالأكل و الشرب و السكن وشؤونه – إن كان السكن بالاستئجار – بحيث يتشارك فيها الجميع ولا يُفرد لصنف منهم أو لكل واحد منهم مصرفاً مستقلاً فيها .
فإن كان عدد العائلة مع اليتيم يبلغ خمسه أشخاص مثلاً ، و مصرف الأكل و الشرب و السكن فقط يكلف في الشهر فرضاً ۵۰۰ دينار ( ۵۰۰۰ ريال ) ، و كان مجموع مصرف اليتيم لو حسب مستقلاً من هذا المبلغ ( ۵۰۰ دينار ) لو صل إلى ۱۰۰ دينار ، و لكنه مع المجموع من العائلة يصل مصرفه – لو وزعنا المصرف على الرؤوس من اليتيم و بقية العائلة – إلى ۶۰ ديناراً مثلاً ، و بالتالي يأخذ الولي من أموال اليتيم ذلك المقدار فقط ( وهو ۶۰ ديناراً ) أي بمدقار سهمه من تلك الرؤوس المجتمعة ، و كذا الحال في اليتامى المتعددين ، و هذا بلا شك أنفع لحال اليتيم و اضمن لماله مما لو أخذت الأمور بالاستقلال و الإفراد .
و أما في الأمور المستقلة كالكسوة ( الملبوس ) و ما يشبهها ، فلا بد من استقلال اليتيم و إفراده فيه ، إذ لا معنى للتوزيع ، فلا يحسب عليه إلا ما يصرف منه عليه مستقلاً ، فلو اشترى ولي الطفل لعائلته كسوة و ثياباً – و من ضمنهم اليتيم – و بلغ مجموع الثياب فرضاً ۱۰۰ دينار ، و فرضنا ان عائلته كلهم من النساء ، و تكاليف ثياب النساء أكثر من تكاليف الرجال غالباً ، و قيمة ثياب اليتيم ۱۰ دينار و مجموع ثياب النساء ۹۰ ديناراً ، ولا يوجد لدى ولي الطفل اليتيم إلا ۸۰ ديناراً ، فلا يجوز له أن يأخذ من مال اليتيم ۱۰ دينار أخرى لكي يكمل قيمة ثياب النساء ، إذ لا يغرم اليتيم غير قيمة ثيابه و هي ۱۰ دينار ، و أما أخذ ۱۰ دينار أخرى لاكمال قيمة الثياب الأخرى يعتبر في نظر الشرع أكلاً لمال اليتيم .
ويجوز للقيّم على اليتيم – إذا كانت قيمومته قد ثبتت بتوليه من المجتهد الجامع للشرائط – أن يأخذ من مال اليتيم أجرة مثل عمله إذا كانت له أجرة و كان فقيراً ، فلو فرضنا أن الاهتمام بهذا اليتيم لو فرضنا قام به شخص مُستأجر لذلك الشأن ، و فرضنا أن المتعارف عند الناس في ذلك المجال و بتلك الكيفية المستأجر عليها و بتلك الخصوصيات التي طُلب منه القيام بها ، فإن قيمة عمله يصل إلى ۱۰ دنانير مثلاً في الشهر ، فإنه يجوز حينئذ للقيّم على اليتيم إذا كان فقيراً أن يأخذ كأجرة على اهتمامه باليتيم ثمن المثل المتعارف و هو ۱۰ دينار فقط ، ولا يأخذ أكثر من ذلك ، إذ هذا هو الأكل بالمعروف في تلك الحالات .
و أما إذا كان غنياً ، ففي أخذه الأجرة – حتى ولو كانت بقدر ثمن المثل – إشكال شرعي ، و الأحوط وجوباً الترك للأخذ .
۱۱ – ( والبخس في الميزان و المكيال و نحوهما بأن لا يوفي تمام الحق إذا كال أو وزن و نحو ذلك )
وهو مما أهلك الله به بعض الأمم السابقة ، وهو من موجبات المقت و العذاب الالهي .
۱۲ – ( و السرقة و كذلك كل تصرّف في مال المسلم و من بحكمه من دون رضاه )
فلا تجوز سرقة المسلم ، بل لا يجوز أي تصرف في مال المسلم من دون رضا المسلم .
بل ولا تجوز السرقة والاختلاس من أموال الدولة بأي وجه كان .
و هل يجوز للوالد أن يسرق من ولده ، سواء المال أو غيره ؟
لا يجوز له السرقة ، نعم إذا كان فقيراً و كان الولد ممتنعاً عن الانفاق على الوالد ولم يمكن إجباره ، جاز له أن يأخذ من ماله بمقدار نفقة كل يوم بإذن الحاكم الشرعي .
و كذا لا تجوز السرقة او التصرفات في أموال الكفار غير الحربيين – سواء كانت أموال عامة أو خاصة – و كذا إتلافها إذا كان ذلك يسيء إلى سمعة الاسلام أو المسلمين بشكل عام ، و كذا لا يجوز إذا لم يكن كذلك ، و لكن عُدّ غدراً و نقضاً للأمان الضمني المعطى لهم حين طلب رخصة الدخول إلى بلاد الكفار أو طلب رخصة الاقامة فيها ، لحرمة الغدر و نقض الأمان بالنسبة لكل أحد .
– ( والفرار من الزحف )
و المراد به حرمة الفرار من الحرب و الهرب منها ، و هو المُكنّى عنه بتولية الدُبُر دون غير ذلك و تستثنى من حرمة الفرار من الزحف حالتان : التحرّف في القتال ، و هو ميل المقاتل من طرف إلى طرف آخر استعداداً للقتال لا للفرار . و تحيّز المقاتل إلى فئة أخرى بأن ينتقل عن فئته و مجموعته إلى فئة و مجموعة أخرى بهدف الاستمرار في الحرب .
۱۴ – ( وأكل الربا بنوعيه المعاملي و القرضي )
الربا المعاملي هو : وهو بيع ما يكال و يوزن مع اتحاد الجنس بشرط الزيادة ، فلو باعه كيس الرز الباكستاني على أنه يعطيه كيسين من الرز الهندي ، فهو ربا معاملي .
الربا القرضي هو : أن يقرض شخص مالاً لشخص آخر بشرط أن يؤدّي المقترض القرض و يسترجعه بأزيد مما اقترضه ، سواء كان ذلك الشرط صريحاً ، أو أضمراه بحيث وقع القرض مبنياً عليه ، بحيث لولا هذا البناء و هذه النية لما اقدم ذلك الشخص على اقراض هذا الشخص .
۱۵ – ( والزناء واللواط و السحق و الاستمناء و جميع الاستمتاعات الجنسية مع غير الزوج و الزوجة )
وهذه الجرائم من اشد الفواحش جرماً عند الله تعالى ، إذ أن مقارفتها و ممارستها يُعد خروجاً حاداً عن طريق الحق و الرشاد ، فالزنا و اللواط ومقدماتهما الاستمتاعية حرام ، بل عند السيد السيستاني دام ظله الشريف أن استخدام وسائل الاتصالات الحديثة للمحادثة ( الفيس بوك – الرسائل النصية – و غيرهما ) بين النساء و الرجال حرام لما فيه من خوف الوقوع في الحرام ولو بالانجرار إليه شيئاً فشيئاً .
۱۶ – ( و القيادة و هي السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المُحرّم )
وهي بحسب التعبير الدارج ( القوادة ) ، وهي حرام ، سواء كان الجمع لأجل اللواط أو للزنا أو للسحاق ، إذ هي إشاعة للفاحشة ، وقد ورد فيها : ( إن الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم )
۱۷ – ( و الدياثة وهي أن يرى زوجته تفجر و يسكت عنها ولا يمنعها منه )
و هو واضح جداً . وهذا مما ورد في الروايات التوعد له بالعذاب الأليم ، فقد وردت الرواية أن : حُرّمت الجنة على النمّام و مدمن الخمر و الديوث ، وهو الفاجر ، و أنه لا يجد ريح الجنة ، ولا ينظر الله إليه بعين الرحمة و الشفقة في يوم تذهل فيه كل مرضعة عمّا ارضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم بسكارى و لكن عذاب الله شديد .
( و القول بغير علم أو حجة )
إذا كان الانسان شاكاً في تحقّق أمر في الماضي ، فإنه لا يصح ولا يجوز له أن يجزم بتحقّق ذلك الأمر مع عدم حصول العلم له بذلك الأمر ، نعم إذا أراد نقل هذا الشيء المشكوك فإنه يمكن له التخلّص من تبعات القول بغير علم أن يقول من أجل التعبير عن ذلك الأمر ( قيل – نُقل – وجدنا في الكتب – و غير ذلك من التعابير ) .
و إذا كان جازماً بذلك الأمر سواء كان بسبب العلم الوجداني عنده أو بسبب العلم العادي ( الاطمئنان ) من الأسباب المتعارفة عقلائياً لاثبات الأمور ، فإنه يصح الاخبار عن ذلك القول ولا يعتبر حينئذ من القول بغير علم أو حجة .
وأما إذا كان من الأمور الحالية أو المستقبلية ، فإنه لا يصح له ولا يجوز أن يقول شيئاً من دون حصول العلم ( الوجداني – العادي ) ، إذ الاعتماد على التخمينات و الظنون و الأوهام في اثبات الأمور هو من القول بغير علم أو حجة ، نعم يمكن أن يقوم الانسان بعملية التحليل المنطقي للأمور الحالية و المستقبلية و يضع الاحتمالات للشيء ، بل و يمكنه أن يجزم بالحصول للشيء إذا كان مستنداً إلى الأمور الموضوعية و يستطيع الاخبار عنه بجزم .
و من هنا حارب الاسلام الخرافات ، و حارب الاعتماد على الوسائل غير الصحيحة ، من مثل الاعتماد على الكهانة و أمور السحر و ما شابه ذلك .
۱۹ – ( و الكذب حتى ما لا يتضّرر به الغير ، ومن أشده حرمة الكذب على الله أو على رسوله ( صلى الله عليه و آله ) و الأوصياء ( عليهم السلام ) )
فالاخبار عن شيء على خلاف الواقع حرام حتى و إن لم يلزم منه الضرر على الآخرين ، بل و حتى لو كان بطريقة المزاح ، بل ولا فر في ذلك بين الكذب القولي أو الكتبي ، و من أعظم الكذب الماحق المهلك للدين و المسبب لغضب رب العالمين هو الكذب على الله تعالى و على رسوله و أئمة الدين الطاهرين عليهم السلام .
۲۰ – ( و شهادة الزور )
و هو قول أو كتابة شهادة مزوّرة كاذبة لحرف الحقيقة و ضرب بعض الأطراف لمصالح آنية زائلة لا بقاء لها .
۲۱ – ( و الفتوى بغير ما أنزل الله )
فحينما يفتي شخص من دون أن يكون مستنداً إلى الآليات الشرعية المعتمدة لدى الشرع ، فإنه حرام و موجب لدخول النار .
۲۲ – ( واليمين الغَموس وهي الحلف بالله تعالى كذباً في مقام فصل الدعوى )
فحينما يحلف بعض الناس على ثبوت أو نفي شيء وهو كاذب فإن ذلك الحلف بإسم الله مع علمه بأنه كاذب ، فإنه يغمس نفسه في الإثم ثم في النار ، إذ كلمة الغموس تدل على المبالغة في الارتكاس في الاثم و التسبيب لدخول النار .
۲۳ – ( و كتمان الشهادة ممن أُشهِد على أمر ثم طُلب منه أداؤها بل و إن شهده من غير إشهاد إذا ميّز المظلوم من الظالم ، فإنه يحرم عليه حجب شهادته في نصرة المظلوم )
فلو شهد شخص واقعة معينة و تحتاج إلى فصل في مقام رفع الدعاوى في القضاء و قد أشهده اصحاب القضية على ذلك الأمر الذي شهده و طلب منه أصحاب القضية أداء الشهادة ، و مع ذلك أنكر أو كتم فإنه قد ارتكب ذنباً عظيماً ، و كذلك الحال إذا لم يُطلب منه الشهادة رغم شهوده للقضية و معرفته بمداخلها و مخارجها بحيث يعرف الظالم من المظلوم و كان لشهادته دور في حسم القصية للمظلوم فإنه يحرم عليه حجب و كتمان الشهادة ، إذ لا يجوز خدلان المؤمن المظلوم بعدم نصرته و عدم التفاعل مع قضيته إذا كانت الأمور واضحة و يترتب عليها بسبب الشهادة حسم القضية لصالح المظلوم .
نتابع ذكر المعاصي التي وردت في الكتاب .
قال السيد دام ظله :
ومن أعظم المعاصي أيضاً : ترك الصلاة متعمّداً و كذلك ترك صوم شهر رمضان و عدم أداء حجة الاسلام و منع الزكاة المفروضة .
و قطيعة الرحم و هي : ترك الإحسان إليه بأي وجه في مقام يتعارف فيه ذلك .
و التعرّب بعد الهجرة ، و المقصود به الانتقال إلى بلد ينتقص فيه الدين أي يضعف فيه إيمان المسلم بالعقائد الحقّة أولا يستطيع أن يؤدي فيه ما وجب عليه في الشريعة المقدسة أو يجتنب ما حرم عليها فيها .
و شرب الخمر و سائر أنواع المسكرات و ما يلحق بها كالفقّاع ( البيرة ) .
و أكل لحم الخنزير و سائر الحيوانات محرّمة اللحم و ما أزهق روحه على وجه غير شرعي .
و أكل السحت ، و منه ثمن الخمر و نحوها و أجر الزانية و المغنّية و الكاهن و أضرابهم .
و الإسراف و التبذير ، و الأول هو صرف المال زيادة على ما ينبغي و الثاني هو صرفه فيما لا ينبغي .
و حبس الحقوق المالية من غير عسر .
و معونة الظالمين و الركون إليهم ، و كذلك قبول المناصب من قِبَلِهم إلا فيما إذا كان أصل العمل مشروعاً و كان التصدّي له في مصلحة المسلمين ……
*********************************
۲۴ – ( ترك الصلاة متعمّداً و كذلك ترك صوم شهر رمضان و عدم أداء حجة الاسلام و منع الزكاة المفروضة . )
إذ هذه الواجبات هي اركان الاسلام ، و تركها يعتبر عند الله من أعظم الجرائم و المعاصي ، ومن ترك الصلاة متعمداً أو ترك صوم شهر رمضان من دون عذر شرعي ، او لم يحج حجة الاسلام مع توفر الاستطاعة الشرعية ، أو ترك اخراج الزكاة إذا تحققت شروط وجوبها ، فإنه قد هدم الاسلام ، و الاسلام لا يقوم بناؤه إلا بهذه الواجبات الأساسية .
( و قطيعة الرحم و هي : ترك الإحسان إليه بأي وجه في مقام يتعارف فيه ذلك )
و المقصود بالرحم التي يحرم قطعها هو كل قريب يشاركك في رحم كالوالدين و الأخوة و العم و الخال و العمة و الخالة و أولادهم ، أي من يكون من أحد أفراد طبقات الإرث الثلاث ، ولا فرق في حرمة قطع الرحم بين قطع الرحم المتدين منهم أو العاصي ، مثل تارك الصلاة اوشارب الخمر أو تاركة الستر الشرعي و ما شابه ذلك من المعاصي حتى و إن كان لا يجدي معه الوعظ و الارشاد و التنبيه بشرط أن لا تكون صلة العاصي منهم موجبة لتأييده على فعل المعاصي و الحرام .
و المقصود بقطع الرحم ، هو قطع الاحسان عن ذلك الرحم من أي وجه كان ، فتارة عدم الكلام معه و عدم السلام عليه ولو بالهاتف و ما شابه ذلك و عدم السؤال عن أحواله و قطع مساعدته فيما يحتاج إليه من مساعدة بحيث تكون القطيعة التامة بين الانسان وبين رحمه هو قطع للرحم و يكون حراماً ، و وتارة يتحقق القطع بالسؤال عن أحواله و السلام عليه و الجلوس معه و لكنه يترك مساعدته في ما يحتاج إليه ، لأنه ترك ما يتعارف الصلة به في ذلك المقام ، و تارة يكون قطع الرحم بترك السؤال عن أحواله و عدم مهاتفته للسلام عليه مطلقاً رغم عدم احتياج الرحم للمساعدة و الاحسان المتعارف لمن يحتاج إليه . و أما لو قطع بعضاً منها كعدم السؤال عن أحواله ولو بالهاتف لوجود مشكلة بينهما ككون الرحم حاد المزاج و يتدخل في الصغيرة و الكبيرة و يكثر من المشاكل و لكنه يساعده في حوائجه اذا احتاج و يقوم بإخراجه من محنته فإن ذلك ليس قطعاً للرحم ، أو لمنع الزوج مثلاً زوجته من زيارة أبيها أو أحد ارحامها ، فإنه يمكنها أن تكتفي بالسلام عليه و السؤال عن أحواله بالهاتف مثلاً و تقوم بالمساعدة ولو بالواسطة إذا كان يحتاج للمساعدة
۲۶ – ( و التعرّب بعد الهجرة ، و المقصود به الانتقال إلى بلد ينتقص فيه الدين أي يضعف فيه إيمان المسلم بالعقائد الحقّة أولا يستطيع أن يؤدي فيه ما وجب عليه في الشريعة المقدسة أو يجتنب ما حرم عليها فيها )
فالذهاب إلى البلاد التي يؤدي الذهاب إليها إلى خسران الدين و نقص القيم و الأخلاق و الذوبان و الانصهار في الفكر المعادي للدين المؤدي إلى ترك الواجبات الشرعية كترك الصلاة و الصوم و فعل المحرمات كشرب الخمر و الزنا هو حرام ، سواء كان الذهاب إلى تلك البلاد يؤثر على الشخص نفسه أو على أحد ذويه و عائلته و المتصلين به كالزوجة و الأولاد و الأصدقاء المرتبطين به ، سواء كان الغرض من الذهاب و السفر إلى تلك البلاد هو للسياحة أو غير ذلك مطلقاً ، نعم من علم أو اطمأن بعد تاثره و عدم تأثر ذويه فإنه لا يعتبر ذهابه و سفره من التعرّب بعد الهجرة . – ( و شرب الخمر و سائر أنواع المسكرات و ما يلحق بها كالفقّاع ” البيرة ” )
فالخمر معروف .
و سائر المسكرات كالمخدرات .
و الفُقّاع ( البيرة ) ، و هو ما يوجب النشوة ( السكر الخفيف ) عادة لا السكر و الظاهر أن ذلك من جهة ضئالة نسبة الكحول فيه ، و كلها حرام .
و ما يُصنع خالياً من الكحول تماماً و بالتالي لا يصدق عليه اسم الفقاع عرفاً فلا بأس به .
و ما يثصنع حاوياً على الكحول و صدق عليه اسم الفقاع عرفاً فهو حرام ولا يُجدي تخليصه من الكحول بعد تصنيعه .
۲۸ – ( و أكل لحم الخنزير و سائر الحيوانات محرّمة اللحم و ما أزهق روحه على وجه غير شرعي . )
الخنزير معروف .
سائر الحيوانات محرّمة الأكل من السباع وغيرها .
ما أزهق روحه على وجه غير شرعي ، مثل الحيوان المأكول اللحم بالأصل إلا أنه مات بدون ذبح شرعي سواء كان موته موت عين أو تردّي في بئر أو بحر ، أو بسبب التناطح بين حيوانين ، أو بسبب الصعق الكهربائي ، أو ما شابه ذلك .
۲۹ – ( و أكل السحت ، و منه ثمن الخمر و نحوها و أجر الزانية و المغنّية و الكاهن و أضرابهم )
السحت هو كل مال حرام لا يحل و قبُح كسبُه ، و سمي السحت سحتاً لأنه مأخوذ من الاسحات الذي هو القطع ، فكأن إطلاقه على المال بلحاظ كونه قاطعاً للدين أو المروءة ، و من قُطع دينه و أصبح مُقطّعاً لا جامع بين اجزاءه فقد جعل الله مصيبته في دينه .
۳۰ – ( و الإسراف و التبذير ، و الأول هو صرف المال زيادة على ما ينبغي و الثاني هو صرفه فيما لا ينبغي )
وهذه بعض الاستفتاءات للسيد السيستاني :
السؤال : هل یجوز دمج المتبقي من الطعام ( التمن والخبز ) مع باقي الفضلات من الاكل في مكان واحد( سطل الزبالة ) ؟
الجواب : یجوز اذا لم یمكن استخدامه لاطعام الحیوان علی الاقل.
السؤال : تسقط حبات الرز أحياناً في مجاري المياه القذرة أثناء تنظيف الأواني ، فهل يجوز ذلك ؟ وهل يجب التحرز من سقوطها سواء أكانت كثيرة أم قليلة ، علماً بأن التحرز صعب ؟
الجواب : لا يجوز إذا كانت بمقدار يمكن الاستفادة منه ، ولو لتغذية الحيوان ، وان كان قليلاً ، أو كانت وسخة فيمكن إلقاؤها في القمامة حتى لا يعدّ استهانة بنعم الله تعالى عرفاً.
السؤال : ماحكم رمي باقي الارز والخبز ذلك من الاطعمة التی تبقی عادة من بعد تناول الوجبة ما حكم رمیها في القمامة ؟
الجواب : یشكل جواز ذلك لانه یعتبر عند المتشرعة اهانة لنعم الله تعالی واستحقاراً لها وهو ینافي شكره تعالی مضافاً الی مافیه من الاسراف واتلاف المال اذا كان بحیث یمكن الاستفادة منه ولو بمثل اطعامه للطیور والبهائم والاسراف محرّم.
السؤال : ما حكم شرائي ساعات غالية الثمن لي او لزوجتي او حقائب غالية الثمن هل هو مكروه ام اسراف؟
الجواب : اذا كان يعّد من شأنكما لا يعّد اسرافاً.
السؤال : ماهو توضيحکم للاسراف والتبذير؟
الجواب: الإسراف والتبذير : سلوكان ذمهما الله سبحانه وتعالى ، فقال عزَّ من قائل : ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ) ، وقال جلّ وعلا في ذمِّ المبذرين ( إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ). وقد كتب الإمام علي ( ع ) كتاباً لزياد فيِ ذم الإسراف جاء فيه قوله ( ع ) « فدع الإسراف مقتصداً ، واذكر في اليوم غدا ، وامسك عن المال بقدر ضرورتك ، وقدِّم الفضل ليوم حاجتك ، أترجوا أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من المتكبرين ، وتطمع ، وأنت متمرغ في النعيم تمنعه الضعيف والأرملة ، أن يوجب لك ثواب المتصدقين ؟ وإنما المرء مجزي بما أسلف وقادم على ما قدم » (نهج البلاغة للإمام علي (ع)، باعتناء صبحي الصالح ، ص ۳۷۷).
السؤال : ما هو تعریفکم للاسراف؟
الجواب : يقصد به صرف المال زيادة على ما ينبغي ، والاسراف حرام .
السؤال : إذا كانت هناك شركة و كان صاحب المال بين فترة و أخرى يأمر بتجديد الأجهزة و الأثاث ، و لكنه يأمر بالتخلص من الأثاث و الأجهزة القديمة عن طريق إما التكسير أو الحرق ، ولا يرضى بأن يستفيد الموظفين منها ولا يرضى بأن تباع و ينتفع من مالها ، فهل يجوز للعاملين فيها أخذها ولا نتفاع منها بدون علم أو موافقة صاحب الشركة ؟
الجواب : لا يجوز أخذ الأثاث و الأجهزة إلا برضا صاحبها ، و إن لم يجُز العمل بأمره في ذلك إذا كان تبذيراً و إسرافاً .
۳۱ – ( و حبس الحقوق المالية من غير عسر )
سواء كانت هي الحقوق المالية الواجبة شرعاً ( الزكاة و الخمس … ) أو الحقوق المالية للناس ( ديون الناس … )
۳۲ – ( و معونة الظالمين و الركون إليهم ، و كذلك قبول المناصب من قِبَلِهم إلا فيما إذا كان أصل العمل مشروعاً و كان التصدّي له في مصلحة المسلمين )
معونة الظالمين في ظلمهم و جورهم و تعسفهم و استكبارهم و غطرستهم و غمصهم حقوق الناس و الاساءة إلى الناس و هتك حرمتهم حرام ، بل و حتى في غير ظلمهم من المحرمات ، فإن ذلك كله حرام .
و كذلك يحرم أن يكون الشخص معدوداً من أعوانهم و المحسوبين و المنسوبين إليهم بحيث يرتبط اسمه باسمهم و إذا ذُكر هؤلاء الظالمين فإنه يذكرون معهم المنتسبين إليهم و المحسوبين عليهم .
و كذلك يحرم أن يقبل الانسان المناصب من قبلهم ، إلا ما كان من المناصب في أصله حلالاً و مشروعاً في حد نفسه – سواء كان في دولة الظالمين أو غيرهم – كتعليم العلوم المحللة ( المدرسين و المعلمين و أساتذة الجامعات و المعاهد ) و كإدارة المصانع و الدوائر و نحو ذلك ، و الموظفين في الدولة في الأمور الصحية و الاجتماعية الاقتصادية و ما شابه ذلك من المناصب و الوظائف المُحلّلة ، و هذا يجوز القيام به و الانضمام إليه و التوظيف فيه من أجل القيام بمصالح المسلمين و إخوانه في الدين ، بل لو كان بقصد الاحسان إلى المؤمنين و دفع الضرر عنهم كان راجحاً ، بل ربما صار واجباً في بعض أنواعه بالنسبة لبعض الأشخاص .
تكملة مسالة ۳۰ :
قال السيد السيستاني دام ظله :
و غيبة المؤمن ، و هي أن يذكر بعيب في غيبته مما يكون مستوراً عن الناس ، سواء أكان بقصد الانتقاص منه أم لا ، وسواء أكان العيب في بدنه ، ام في نسبه ، أم في خلقه ، أم في فعله ، أم في قوله ، أم في دينه ، أم في دنياه ، أم في غير ذلك مما يكون عيبا مستورا عن الناس .
كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول ، أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب .
و تختص الغيبة بصورة وجود سامع يقصد إفهامه وإعلامه أو ما هو في حكم ذلك .
كما لا بد فيها من تعيين المغتاب ، فلو قال : ( واحد من أهل البلد جبان ) لا يكون غيبة ، وكذا لو قال : ( أحد أولاد زيد جبان ) ، نعم قد يحرم ذلك من جهة لزوم الإهانة والانتقاص لا من جهة الغيبة.
ويجب عند وقوع الغيبة التوبة والندم ، والاحوط استحباباً الاستحلال من الشخص المغتاب – إذا لم تترتب على ذلك مفسدة ـ أو الاستغفار له.
و تجوز الغيبة في موارد : ( منها ) المتجاهر بالفسق، فيجوز اغتيابه في غير العيب المتستر به .
و ( منها ) : الظالم لغيره ، فيجوز للمظلوم غيبته ، والأحوط وجوباً الاقتصار على ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقاً .
و ( منها ) : نصح المؤمن ، فتجوز الغيبة بقصد النصح ، كما لو استشاره شخص في تزويج امرأة فيجوز نصحه و إن استلزم اظهار عيبها ، بل يجوز ذلك ابتداء بدون استشارة إذا علم بترتب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة .
و ( منها ) : ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر ، فيما إذا لم يمكن الردع بغيرها.
و ( منها ) : ما لو خيف على الدين من الشخص المغتاب ، فتجوز غيبته ، لئلا يترتب الضرر الديني .
و ( منها ) : جرح الشهود .
و ( منها ) : ما لو خيف على المغتاب أن يقع في الضرر اللازم حفظه عن الوقوع فيه ، فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه .
و ( منها ) : القدح في المقالات الباطلة ، وإن أدى ذلك إلى نقص في قائلها .
و يجب النهي عن الغيبة بمناط وجوب النهي عن المنكر مع توفر شروطه ، و الأحوط الأولى لسامعها أن ينصر المغتاب و يرد عنه ما لم يستلزم محذوراً . ( و غيبة المؤمن ، و هي أن يذكر بعيب في غيبته مما يكون مستوراً عن الناس ، سواء أكان بقصد الانتقاص منه أم لا ، وسواء أكان العيب في بدنه ، ام في نسبه ، أم في خلقه ، أم في فعله ، أم في قوله ، أم في دينه ، أم في دنياه ، أم في غير ذلك مما يكون عيبا مستورا عن الناس . )
الغيبة هي ذكر العيب الموجود في المؤمن – الموافق لا المخالف – المستور عن الناس ، و أما إذا كان العيب الموجود في المؤمن غير خفي على السامع و غيره فإن نقله ليس غيبة ، و و قد يدخل في عناوين أخرى مثل المذمّة و الايذاء و الاستخفاف بالمؤمن ، و تكون حراماً بسبب هذه العناوين .
و إذا كان العيب غير موجود في المؤمن فذكر ذلك العيب على أنه عيب لذلك المؤمن من دون وجوده حقيقة فهو يدخل تحت عنوان أشد جرماً عند الله تعالى ، وهو عنوان البهتان .
و لا فرق في اعتبار تحقق الغيبة بين ذكر العيب المستور بقصد الانتقاص و المذمة و الاهانة و العتك لحرمة ذلك المؤمن ، أم لم يقصد شيئاً من ذلك .
و لا شك في أن عنوان الغيبة و ذكر الشخص بعيوبه المستورة يشمل جميع الصور المذكورة في متن الكتاب .
فالعيب في البدن مثل أن يقول : فلان أحول أو أعور أو أقرع أو قزم و غير ذلك من الصفات المستورة التي يتاثر صاحبها بكشفها للناس .
و العيب في النسب مثل أن يقول : فلان أبوه فاسق ، أو خبيث ، او خسيس ، أو غير شريف و أمثال ذلك .
و العيب في الخُلُق مثل أن يقول : فلان سيء الخلق ، أو بخيل ، او متكبّر أو جبان ، أو ضعيف ، أو مُراءٍ ، أو سارق ، او ظالم لزوجته أو لأهله و وولده أو لجيرانه أو لغيرهم .
و العيب في الفعل مثل أن يقول : هو غير مُنظم في افعاله ، أو هو إنسان لا يضبط أوقاته ، أو هو إنسان لا يعرف كيف يتصرف في شؤون حياته و هكذا .
و العيب في القول مثل أن يقول : هو إنسان لا يعرف كيف يتكلم ، أو هو انسان يحشر نفسه في كل كلام و يتكلم بكل كلام و ما شابه ذلك .
و العيب في الدين مثل أن يقول : فلان كذّاب ، أو شارب الخمر ، أو يتسامح في صلاته ، أو فلان وسواسي .
و العيب في الدنيا مثل أن يقول : فلان غير مؤدب ، هو لا يعرف الحق ، لا يعرف موضعه الطبيعي ، ثرثار ، أكول ، نوّام .
و العيب في اللباس مثل أن يقول : لباسه وسخ ، عتيق ، ممزّق ، طويل ، قصير .
وغير ذلك مما يكون مستوراً عن الناس ولا يرضى صاحبه بكشفه للناس و يتضايق من بيان ذلك لهم .
( كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول ، أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب )
فلا فرق في الغيبة بين أن تكون باللسان أو بالفعل أو بالإشارة ، بنحو صريح أو بالكناية ، مثال الكناية : الحمد لله الذي لم يبتلني بحب الرئاسة ، أو مجالسة الظلمة ، أو حب المال ، و ما شابه لك .
و قد يمهد من يريد أن يغتاب المؤمن بمقدمة عاطفية ، من مثل : هو نعم الرجل ( خوش رجّال ) و لكن مع الأسف لا يعرف كيف يتصرف في شؤون مؤسسته ( فيسرد مجموعة من العيوب في ذلك ) أو فلان مسكين ، هو إنسان وسواسي ، أو مطيع للشيطان ، و غير ذلك مما يراد من خلاله إظهار عيب ذلك المؤمن بقصد الانتقاص أو غيره .
( و تختص الغيبة بصورة وجود سامع يقصد إفهامه وإعلامه أو ما هو في حكم ذلك )
لا تتحقق الغيبة للمؤمن إلامع وجود من يسمع ذلك و يفهم الكلام ، فو تكلم بالغيبة مع نفسه ولم يكن هناك أحد يسمعه ، أو تكلم بالغيبة على أحد المؤمنين مع من لا يفهم لغته ، أو تكلم بالغيبة ولكن ذلك السامع لا يفهم المقصود ، فإن الغيبة حينئذ لا تتحقق ولا تكون حراماً .
( كما لا بد فيها من تعيين المغتاب ، فلو قال : ( واحد من أهل البلد جبان ) لا يكون غيبة ، وكذا لو قال : ( أحد أولاد زيد جبان ) ، نعم قد يحرم ذلك من جهة لزوم الإهانة والانتقاص لا من جهة الغيبة. )
فالغيبة تتحقق إذا كان الشخص معيناً معروفاً ، أما إذا كان الشخص لا يُعرف اسمه ولا توجد علامة تدل عليه ، فإنه لا إشكال في عدم حرمة ذلك ، فلو قال : ” رأيت شخصاً حالته يُرثى لها إلا أنه يتضح من خلال الأمور أنه غبي مخبّل ” ، فإن ذلك لا يكون غيبة ، أو قال : ” أحد أفراد القرية الفلانية أو المدينة الفلانية لا يعرف كيف يتصرف في حياته و يدع الشياطين يقودونه ” فإن ذلك ليس بغيبة ، لتردده ذلك الشخص أو الفرد بين عدة أشخاص لا يُعلم من هو الذي حصل التكلم عليه .
بل و كذا لو قال : ( أحد أولاد فلان جبان أو وسواسي ، أو ليست عنده غيرة على أهله …. ) فإن الكلام هنا على شخص مردّد بين مجموعة أشخاص ، و السيد السيستاني قد حكم بعدم كون ذلك غيبة ، نعم يحرم ذلك من جهة أخرى ، وهي تحقق الاهانة و التنقيص لتلك العائلة الذين هم نفس الأولاد ، و أما لو كان الأمر عند هذا القول هو إرادة التنقيص و الاهانة لنفس زيد في المثال من حيث أن المتكلم يريد أن يتكلم على نفس زيد ( الأب ) فإن ذلك غيبة .
( و يجب عند وقوع الغيبة التوبة والندم ، والاحوط استحباباً الاستحلال من الشخص المغتاب – إذا لم تترتب على ذلك مفسدة ـ أو الاستغفار له )
بما أن الغيبة من الجرائم التي تستحق المقت و الغضب الالهي ، فيجب التوبة منها و الاستغفار و التأسف على فعلها
و عدم جواز فعلها مرة أخرى لنفس ذلك المؤمن أو لمؤمن آخر و عدم الاسترسال فيها ، إذ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد . وهذا كاف في محو آثار جريمة الغيبة ، لأنه لا يلزم أكثر من الندم و الاستغفار و التوبة في هذا المجال ، و لايلزم أكثر من ذلك .
و لكن مع ذلك فالاحتياط الاستحبابي – و الذي يؤول و يرجع عند فعل ذلك الاحتياط الاستحبابي إلى الانقياد للشرع الشريف و يحصل على ثواب الانقياد له – يقتضي لرد الاعتبار و التكفير عن غيبة ذلك المؤمن الذي هتكت حرمته بالغيبة أن يتسامح و يعتذر من حصلت منه جريمة الغيبة من ذلك الشخص المؤمن الذي وقعت عليه تلك الجريمة إذا لم يترتب على طلب السماح و الاعتذار أي مشكلة وفتنة و مفسدة ، إذ الاعتذار و و طلب المسامحة لحل المشكلة ، فإذا كان طلب ذلك يؤزّم و يُعقّد الوضع ، فإنه يسقط ذلك الاحتياط الاستحبابي بذلك .
و لتحقيق الاحتياط الاستحبابي وجه آخر يمكن أن يَرُدَ به الاعتبار لذلك المؤمن المهتوك حرمته بالغيبة – غير قضية المسامحة و الاعتذار – و هو طلب الاستغفار لذلك المؤمن بأن يدعو له باي دعاء مثل دعاء مولانا زين العابدين عليه السلام : ( اللهم و أيما عبد من عبيدك أدركه منّي درك أو مسّه من ناحيتي أذى أو لحقه بي أو بسببي ظلم ، ففُتُّه بحقّه أو سبقته بمظلمته ، فصلّ على محمد و آله و أرضه عنّي مِنْ وُجدِك و أوفه حقه من عندك ، ثم قني ما يوجب له حكمك ) ..
( و تجوز الغيبة في موارد : )
أي لا يترتب على القيام بالغيبة أي عقاب ولا مؤاخذة ، ولا تعتبر حينئذ جرماً و ذنباً .
( ( منها ) المتجاهر بالفسق، فيجوز اغتيابه في غير العيب المتستر به . )
فالمتجاهر أمام الناس – من دون حسيب ولا رقيب و من دون عذر شرعي ظاهر – بالخروج عن طاعة رب العالمين و فعل ما يغضبه من الجرائم التي ثبت في الشرع حرمتها كشرب الخمر علناً أو التجاهر بسب الناس دائماً أو بالتجاهر بالسفور ، فإنه قد خلع جلباب الحياء و الستر الذي ستر الله به عباده و هتك حرمة نفسه ، ومن لم يحترم نفسه و أوقع نفسه في الذل و المهانة فلا حرمة له عند الله تعالى ، و الله لا يرضى للإنسان ولم يفوّض إليه أن يُذل نفسه ، ولكنه بما أنه اختار ذلك فعليه أن يتحمل التبعات ، وشر الناس من لا يبالي ما قال و ما قيل فيه ، و نعوذ بالله من غضب الله .
وهل أن التجاهر بمخالفة الاحتياط الوجوبي – إذا كان المجتهد لم يجزم بالوجوب أو الحرمة في أمر و إنما احتاط فيه لزوماً – تؤدي إلى حصول نفس النتيجة السابقة ( اسقاط الانسان حرمة نفسه ) و يجوز حينئذ غيبته ؟ مثلاً : إذا كان المجتهد الذي يقلده الشخص يحتاط احتياطاً وجوبياً بحرمة حلق اللحية من دون عذر شرعي ، فلو حلق ذلك الشخص ( المقلّد ) لحيته بدون عذر شرعي ـ فهل تعد مخالفة الاحتياط الوجوبي و التجاهر به من التجاهر بالفسق الذي يوجب سقوط حرمة الانسان .
الجواب : ذكر السيد الخوئي كما في الاستفتاءات من كتاب صراط النجاة سؤال ۲۷ من ج ۱ : أن مخالفة الاحتياط الوجوبي تخرج المخالف عن العدالة إذا لم يعمل بوظيفته من الاحتياط أو الرجوع إلى الغير مع مراعاة الأعلم فالأعلم .
و أما السيد السيستاني فقد ذكر ابنه السيد محمد رضا في كتابه القيّم ( بحوث فقهية ) ص ۴۱۲ أنه قال : أنه لا يُحكم على مرتكب مخالفة الاحتياط الوجوبي بالفسق ولكن لا يُحكم بعدالته أيضاً ، فلا يجوز ترتيب آثارها كالاقتداء به في الصلاة و إشهاده في الطلاق و نحو ذلك .
و عليه فبحسب استفتاء السيد الخوئي ، فإن من تجاهر بمخالفة الاحتياط الوجوبي فإنه قد ارتكب الفسق ، وهو مسوّغ و مبرّر لجواز غيبته ، و أما بناءً على ما نقله السيد محمد رضا عن أبيه السيد السيستاني فإنه لا يسوغ ولا يجوز غيبة المتجاهر بمخالفة الاحتياط الوجوبي .
( و ( منها ) : الظالم لغيره ، فيجوز للمظلوم غيبته ، والأحوط وجوباً الاقتصار على ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقاً . )
فيجوز للمظلوم أن يغتاب الظالم ، و لكن الاحتياط الوجوبي يقتضي جواز ذلك في حالة إظهار التظلّم عند من يرجو نصرته و إغاثته و استطاعته كشف الظلم عنه ، و أما يعلم بأنه لا يجيبه أو لا يستطيع أن ينصره فإن الاحتياط اللزومي يقتضي أن لا يشتكي عنده من الظالم و لا يذكر ظلمه ، و عليه فلا يجوز – على الأحوط لزوماً – للمظلوم أن ينشر مظلوميته بغيبة الظالم في النوادي العامة و مجالس الأصدقاء ، إلا في الحالة السابقة ، و كذا إذا كان الظالم متجاهراً بظلمه و تعسفه و إجرامه .
و ( منها ) : نصح المؤمن ، فتجوز الغيبة بقصد النصح ، كما لو استشاره شخص في تزويج امرأة فيجوز نصحه و إن استلزم اظهار عيبها ، بل يجوز ذلك ابتداء بدون استشارة إذا علم بترتب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة . )
من الموارد التي تجوز فيها الغيبة ما لو كان شخص يعلم شيئاً عن امرأة أو رجل يؤدي الزواج منها أو منه إلى حصول سلبيات كثيرة و مفاسد عظيمة على ذلك الزواج و الارتباط ، فيجوز لذلك الشخص أن ينصح من استشاره في التزويج من فلان او فلانة ، بل و يجوز له ذلك من دون أن يطلب منه ، و طبعاً فهذا جائز و ليس بواجب ، و أما إذا علم المستشار بترتب أذية على تقديم المشورة و النصيحة ، بحيث أنه في حال رفض الطرف الآخر لتلك الزيجة يترتب ضرر على نفس المستشار من الطرف المرفوض بسبب تقديمه للمشورة فإنه في هذه الحالة عليه أن يدرس الوضع جيداً ولا يقدم على خطوة غير مدروسة تسبب له عواقب أخطر من تقديم المشورة .
( و ( منها ) : ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر ، فيما إذا لم يمكن الردع بغيرها. )
كما لو علم الشخص علم اليقين أو اطمأن اطمئناناً تاماً – لا بالتخمين و الاحتمالات و الظنون و تجميع قرائن غير عقلائية – بأن فلان سيقدم على فعل المنكر ، أو فعل المنكر و لكنه سيمارسه بشكل أخطر ، فإنه يجوز لمن اطلع على حال هذا الفلان أن يقوم بالغيبة لردع هذا الشخص عن القيام بهذا المنكر إذا فرض أن ذلك الفلان يخاف من فضح نفسه في المجتمع فيسقط في أعين الناس إذا علم الناس بأمره ، و كان تلك الخطوة تمنعه عن القيام بذلك ، و لكن يجب في هذا المقام التدقيق في الحال ، فلا يحق لاي انسان أن يقدم على هذه الخطوة للردع و يلزم من ذلك هتك عرض المؤمن و كشف عورته و الاساءة إليه ثم يتضح أن الأمر ما هو إلا مجرد شائعة أشيعت لا لردع هذا المؤمن و إنما لكسره و الحط من شأنه ، فاللازم التدقيق ، إذ من كسر مؤمناً فعليه جبره .
ولا يفهم من جواز الغيبة في هذا المورد لردعه عن المنكر ، أنها تشمل بقية الأمور الأخرى من المحرمات ، كالزنا بعرض الزاني لردعه عن الزنا بأعراض غيره ، فتأمل .
( و ( منها ) : ما لو خيف على الدين من الشخص المغتاب ، فتجوز غيبته ، لئلا يترتب الضرر الديني . )
فالمبتدع صاحب البدعة الذي يكون مُشرّعاً و متعمداً في بدعته إذا لم تكن بدعته شائعة ، ولكن رغم عدم شيوع بدعته إلا أنه يتأثر به من يسمع ببدعته ، فلكي نحصن الناس من بدعته ، فإنه يجوز لنا أن نغتابه ، بل ربما يكون واجباً في بعض الأحيان حتى نقطع طمعه في الفساد في الاسلام و تحذير الناس منه و صرفهم عن التعلم من ضلالته ، و من الأمثلة على المبتدعين هؤلاء الذين يدعون النيابة عن مولانا الحجة عليه السلام و أرواحنا فداه و عجّل الله فرجه الشريف ، فإنه لا شك في جواز غيبة هؤلاء المبتدعين الضالين .
و هل يشمل هذا المورد أي جواز الغيبة لمن خيف على المجتمع منه إذا كانت مواقفه تؤدي إلى الضرر الدنيوي ؟
لا شك أنه إذا كان بسبب مواقف هذا الشخص و عنجهيته نعلم يقيناً بأنه تُسال الدماء و تتلف النفوس ، فإنه يجب دفع ذلك الفساد و تحذير الناس من ذلك الضرر .
و أما غيره فيحتاج إلى تشخيص الفقيه المجتهد لمعرفة حيثيات الأمور .
( و ( منها ) : جرح الشهود . )
فلو كانت هناك دعوى مرفوعة في القضاء و أتى شهود غير موثوقين ليشهدوا على القضية ، فيجوز جرح هؤلاء الشهود و بيان أنهم ليسوا أهلاً للشهادة ، و طبعاً يقتصر على ما يؤدي الغرض من جرح الشهود دون الأزيد من ذلك .
( و ( منها ) : ما لو خيف على المغتاب أن يقع في الضرر اللازم حفظه عن الوقوع فيه ، فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه . )
فيجوز لنا أن نغتاب الشخص المؤمن لأجل هدف أسمى ، وهو حفظ ذلك المؤمن من الهلاك أو الضرر الذي سيقع فيه ، فلو علمنا أن ظالماً يتقصّد ذلك المؤمن و يتجسس عليه ، و يعرف مؤمن آخر أنه إذا قام بانتقاد هذا الشخص و أنه شخص كذا و كذا بحيث يعلم ذلك المؤمن أنه بانتقاده لذلك المؤمن المتقصّد من قبل الظالم فإنه ينجو ذلك المؤمن من الظالم جاز حينئذ دفع الظلم عن ذلك المؤمن و سد بابه بالاغتياب حتى لا يقع في الضرر الذي يجب دفعه عن الؤمن ، بل يجب ذلك بعض الأحيان .
( و ( منها ) : القدح في المقالات الباطلة ، وإن أدى ذلك إلى نقص في قائلها . )
و قد ابتلينا في زماننا هذا بالكثير من أصحاب المقالات الباطلة و المواضيع التي تطرح فيها الشبهات العقائدية و المغالطات الفكرية التي تؤدي إلى تضعيف و تهوين العقائد و المسلمات العقائدية ، فتجوز غيبة هؤلاء كي يلتفت إلى ذلك القراء و الأتباع .
( و يجب النهي عن الغيبة بمناط وجوب النهي عن المنكر مع توفر شروطه ، و الأحوط الأولى لسامعها أن ينصر المغتاب و يرد عنه ما لم يستلزم محذوراً .)
فإذا حصلت جريمة الغيبة فإنه يجب النهي عنها بالشروط التي ذكرت في باب النهي عن المنكر ، فيقول لمن يغتاب الناس : اترك الغيبة ، لا تغتي الناس ، الغيبة حرام .
و هل يجب بعد النهي عن الغيبة أن يبيّن الناهي الحقيقة للناس المستمعين للغيبة أو لنفس المغتاب و أن فلان الذين وقعت عليه الغيبة هو إنسان بريء مما قيل فيه ؟
السيد السيستاني يقول لا يجب ذلك ، و إنما المهم هو النهي عن الغيبة ، نعم الأحوط استحباباً الانتصار لذلك المؤمن و كشف الحقيقة و بيان الصحيح ، إلا إذا كان كشف الحقيقة و الانتصار له قد يستلزم محذوراً آخر يكون كشف الحقيقة أقل أهمية من ذلك المحذور المترتب عليها .
و إلى هنا انتهى الشرح الموجز لكلام السيد السيستاني في جريمة الغيبة .
تكملة المسألة ۳۰ :
و من أعظم المعاصي الأخرى :
سبّ المؤمن و لعنه و إهانته و إذلاله و هجاؤه و إخافته و إذاعة سرّه و تتبّع عثراته و الاستخفاف به ولا سيّما إذا كان فقيراً ، و البهتان على المؤمن وهو ذكره بما يعيبه و ليس هو فيه ، و النميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم ، و الغش للمسلم في بيع أو شراء أو نحو ذلك من المعاملات ، و الفحش من القول وهو الكلام البذيء الذي يستقبح ذكره ، و الغدر و الخيانة و نقض العهد حتى مع غير المسلمين ، و الكبر و الاختيال وهو أن يظهر الإنسان نفسه أكبر و أرفع من الآخرين من دون مزية تستوجبه ، و الرياء و السمعة في الطاعات و العبادات ، و الحسد مع إظهار أثره بقول أو فعل ، و أما من دون ذلك فلا يحرم و إن كان من الصفات الذميمة ، و لا بأس بالغبطة و هي أن يتمنّى الإنسان أن يُرزق بمثل ما رُزق به الآخر من دون أن يتمنّى زواله عنه .
و من أعظم المعاصي أيضاً :
الرشوة على القضاء إعطاءً و أخذاً و إن كان القضاء بالحق ، و القمار سواء كان بالآلات المُعدّة له كالشطرنج و النرد و الدوملة أم بغير ذلك و يحرم أخذ الرهن أيضاً ، و السحر فعله و تعليمه و تعلّمه و التكسّب به ، و الغناء و استعمال الملاهي كالضرب على الدفوف و الطبول و النفخ في المزامير و الضرب على الأوتار على نحو تنبعث منه الموسيقى المناسبة لمجالس اللهو و اللعب .
و هناك محرمات غير ما تقدم ذُكر البعض منها في مواضع أخرى من هذه الرسالة ، كما ذُكر فيها بعض ما يتعلّق بعدد من المحرمات المتقدمة من موارد الاستثناء و غير ذلك ، عصمنا الله تعالى من الزلل و وفّقنا للعلم و العمل إنه حسبنا و نِعمَ الوكيل .
*************************
۳۴ – ( سبّ المؤمن و لعنه و إهانته و إذلاله و هجاؤه و إخافته و إذاعة سرّه و تتبّع عثراته و الاستخفاف به ولا سيّما إذا كان فقيراً )
فقول ” يا حمار ” و ” يا كلب ” و ” يا قليل الأدب ” و ما شابه ذلك من كلمات الظلم و البغي و الكلام غير اللائق هو من السبّ الذي يحرم على المؤمن قوله لأخيه المؤمن .
و الإهانة و الإذلال و الاستخفاف هي أمور تعني تصغير مقام ذلك المؤمن و تحقيره و تهوينه و العمل على جعله شخصية لا مكانة لها ولا مقام و تحطيمه بكل الوسائل التي تنال من شخصيته و تجعله مورداً لاستهزاء الناس أو الضحك عليه ، خصوصاً إذا كان ذلك المؤمن من الفقراء .
و هجاء المؤمن هو إنشاد الشعر بسبّه و انتقاده و استهجانه وجعله مورداً للسخرية ، و جعل ذلك الشعر سائراً في حقه يتندّر به المتندرون .
و إخافة المؤمن تعني التهديد باعتقاله أو ضربه أو أي فعل من الأفعال التي توجب خوفه و تعطيله عن القيام بمهماته في الحياة .
و إذاعة سرّ المؤمن ، هو الكشف عن أسراره الخاصة التي يحتفظ بها و يتحفّظ عن إظهارها للناس ، سواء كانت فردية أو عائلية أو غيرها .
و تتبّع عثرات المؤمن ، تعني محاولة اختراق حياة هذا الشخص المؤمن و متابعة عيوبه و سقطاته ، لاظهارها أمام الناس بفبركة جديدة أو غير ذلك .
كل هذه الأمور حرام شرعاً ، إذ يحرم البغي و الظلم و الايذاء و المحاربة للمؤمن .
وهناك بعض الأمور التي يترتب عليها الايذاء للمؤمن ، فإن كان فعل ذلك الايذاء بقصد الايذاء للمؤمن مع التفاته إلى أن ذلك يؤذي المؤمن فلا إشكال في أنه حرام .
و أما إذا كان يترتب عليها الايذاء للمؤمن من دون التفات الشخص المؤذي إلى ذلك و لم يكن قاصداً له ، فلا يُحكم بالحرمة حينئذ .
و كذلك إذا فعل ما يؤذي المؤمن مع علمه بأن هذا يؤذي المؤمن و يعلم بأنه يؤذيه وهو ملتفت لذلك ، و لكنه لم يفعل ذلك بقصد الايذاء ، كما إذا فتح محلاً للتجارة و يعلم أن جاره يتأذى من فتح هذا المحل ، و كما إذا تزوّج بزوجة ثانية يعلم بأن زوجته الأولى تتأذّى بذلك ، فإنه لا يحرم ذلك .
۳۵ – ( و البهتان على المؤمن وهو ذكره بما يعيبه و ليس هو فيه )
فالكذب و الاختلاق للعيوب على أنها عيوب للمؤمن هو حرام ، وهو أشد من فعل الغيبة و مجرد الكذب .
۳۶ – ( و النميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم )
فالنميمة هو نقل الكلام الذي يؤدي إلى التفريق بين المؤمنين و شحن نفوسهم على بعضهم البعض وخلق الفتنة بينهم و محاربة بعضهم البعض و التشهير ببعضهم البعض و غير ذلك من المفاسد الخطيرة التي لا يصح للمجتمع المؤمن و افراده أن يقعوا فيها ، و من حطّم المؤمنين حطّمه الله في نار الحطمة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
۳۷ – ( و الغش للمسلم في بيع أو شراء أو نحو ذلك من المعاملات )
فالغش في البيع يكون بعدة أشكال منها إخفاء الأدنى في الأعلى كمزج الصنف الجيّد بالردئ ، أو بإخفاء الذي لا يُريده المتسوّقون في الذي يريدونه ، كمزج الماء باللبن ، أو بإظهار الصفة الجيّدة مع أنها مفقودة واقعاً ، مثل رش الماء على بعض الخضروات ليُتوهم أنها جديدة ، و بإظهار الشيء على خلاف جنسه ، مثل طلي الحديد بما الفضة أو الذهب ليتوهم أنه فضة أو ذهب ، وقد يكون بترك إعلام المشتري مع ظهور العيب و عدم خفائه ، كما إذا أحرز البائع اعتماد المشتري عليه في عدم أعلامه بالعيب فاعتقد أنه صحيح ولم ينظر في المبيع ليظهر له عيبه ، فإن عدم إعلام البائع بالعيب – مع اعتماد المشتري عليه – غش له .
و يكون في الشراء ، بمثل أن يسلّم المشتري الثمن و العملة الورقية المُزوّرة مع علم المشتري بذلك ، أو بتسليمه عملة قد انتهى العمل بها مع جهل البائع بانتهاء العمل بتلك العملة و علم المشتري بذلك .
و يكون في غير ذلك من المعاملات ، كالغش في الامتحانات لتحصيل الدرجات العالية فيها ، سواء كان الطلاب و غيرهم يعانون من اضطهاد طائفي في الدولة التي يقدّمون في مدارسها و جامعاتها الامتحان ولا يحصلون على الأعمال التي تتناسب مع وضعهم أم غير ذلك ، ولا فرق في الغش بين أن يكون من نفس الطالب أو من أشخاص آخرين يساعدونه في ذلك .
بل لا يجوز الغش حتى في المدارس غير الاسلامية رسمية أو غيرها .
( و الفحش من القول وهو الكلام البذيء الذي يستقبح ذكره )
الفحش هو الكلام القبيح البذيء الخليع المنافي للحياء و الذي يستقبح التصريح به مما يتعلق بالجنس من أعضاء و أفعال ، وهو على نوعين ، فبعض منه يستقبح التصريح به مطلقاً حت مع الزوجة كما إذا شبّه زوجته بالبغايا و عاملات السوء ، أو ما صار عتد بعض الناس كالعادة من الألفاظ البذيئة كقول هذه الكلمة ( النغل ) ، حتى و إن كان بقصد المزاح و التفكّه مع من قيلت له هذه الكلمات ، وبعض آخر مما يستقبح التصريح به مع الأجانب ولا يقبح معه الزوجة ، كما إذا ذكر بعض الأعمال الخاصة بينه و بينها ، فيجوز له ذلك ولا يقبح معها و يحرم مع غيرها ، فحينما يخاطب الرجل امرأة أجنبية بالقول لها ( حبيبتي – عمري – و أنت كذا و كذا و يذكر بعضاً مما يتعلق بالجنس و الآلة التناسلية و بعض أعضاء الجسم ما شابه ذلك من كلمات الغزل و التشبيب و التهييج الجنسي ) فإن ذلك من الفحش و الكلام البذيء الذي يحرم قوله مع غير الزوجة ، و أما مع الزوجة فلا ينافي ذلك الحياء و حسن المعاشرة و المخالطة ، إذ لا يحسن الحياء مع الزوجة في الأمور التي يكون قولها للزوجة أو قولها للزوج دليل على جزء من حسن التبعّل .
و التفصيل الآنف الذكر بين الزوجة و غيرها مذكور في المنهاج ج ۲ مسألة ۳۴ .
۳۹ – ( و الغدر و الخيانة و نقض العهد حتى مع غير المسلمين )
فترك الوفاء و نقض العهد مما ورد في الشرع النهي عنه ، وهو قبيح في نفسه ، و سبب لتنفير الناس عن الاسلام ، فلا يجوز فعل ذلك حتى مع الكافر الحربي إذا كان قد التزم المسلمون معه بمعاهدة أو أمان أو عقد أو ما شابه ، فمثلاً المقاول الذي يعمل معه الكفار الحربيون – كعمال البناء و غيرهم – فإنه ما دام قد استقدمهم في البلد و التزم بشروط الدولة لادخالهم و تعهد بتطبيق قانون العمالة الخاص بهم و بغيرهم ، فإنه لا يجوز حينئذ نقض ذلك العهد و تلك الشروط ، ولا يجوز بحجج واهية أو بدون حجة سلب اموالهم و أخذها من دو حق .
۴۰ – ( و الكبر و الاختيال وهو أن يظهر الإنسان نفسه أكبر و أرفع من الآخرين من دون مزية تستوجبه )
فالشخص الذي يرى نفسه أكمل الناس و أعلى الناس و يرى غيره حقيراً لا قيمة له ، هو إنسان متكبر ، و المراد برؤية نفسه كذلك ، بأن يحسب نفسه عالياً و غيره حقيراً فيما بينه و بين الله تعالى ، وأن له شأناً عظيماً عند الله تعالى كما هي الحال في رؤية اليهود لأنفسهم على أنهم الجنس الذي لا يوجد أطهر و لا أنبل ولا أعلى منهم و غيرهم ما هم إلا حشرات تستحق الابادة و التصفية و عدم البقاء على وجه الأرض ، بل و حتى إذا لم ير نفسه كذلك ، بل يرى نفسه عالياً على الآخرين فيتكلم بمنطق ما أريكم إلا ما أرى ، و يأمر و ينهى ، ولا يسلّم على الناس ولا يجالسهم ، و انه دائماً له الحق في الأرض و الفضاء ، و أنه الأوحد الذي لا يصل إلى ذكاءه الخارق أحد ، وهكذا من مظاهر عقدة الحقارة عند هؤلاء المجرمين ، خصوصاً إذا اقترن ذلك بمحاولة القهر للغير و محاولة إخضاعه
نعم لا شك أن العالم يرى نفسه فوق الجاهل في علمه ، و الغني يرى نفسه أفضل من الفقير في غناه ، و الأستاذ يرى نفسه أعلى من تلميذه فيما يتلمّذ عليه ، و الأب يرى نفسه أعلى من أولاده ، وهذه مزية طبيعية لا يمكن النهي عنها ، و لكن ان يستغل تلك المزية لأجل الوصول إلى نتائج غير واقعية و يرى لنفسه مظاهر عظمة مزيّفة ، فإن هذا هو التكبر والاختيال المنهي عنه .
۴۱ – ( و الرياء و السمعة في الطاعات و العبادات )
و المقصود بالرياء هو الاتيان بالعمل الظاهري بقصد أن يراه الناس فيمدحونه و يبجلونه و يحترمونه ، و السمعة هو الاتيان بالعمل القولي بقصد أن يسمعه الناس لنفس الغاية السابقة ، بحيث لولا ذلك لم يقم بالعمل .
نعم إذا كان يأتي بالعمل من أجل حض الاخرين على القيام بالعمل المرئي أو المسوع حينما يرونه أو يسمعونه فلا يعد هذا رياءً ولا سمعة ، فالمدار على قصد الآنسان ، فإن كان هدفه من العمل هو كسب رضا الله فليس ذلك موجباً للرياء حتى وإن كان يعلم أن العمل يوجب حسن ظن الناس به و تمجيد الناس له ، بل هو مستحسن شرعاً أن يكون الانسان حسن الظاهر .
۴۲ – ( و الحسد مع إظهار أثره بقول أو فعل ، و أما من دون ذلك فلا يحرم و إن كان من الصفات الذميمة ، و لا بأس بالغبطة و هي أن يتمنّى الإنسان أن يُرزق بمثل ما رُزق به الآخر من دون أن يتمنّى زواله عنه . )
الحسد هو تمنّي زوال النعمة عن الآخرين من المؤمنين إذا اقترن ذلك التمنّي بقول أوعمل ، وأما إذا لم يقترن بقول أو عمل فهو من الصفات القلبية الذميمة التي ينبغي للإنسان ان يحرر نفسه منها حتى لا تنقلب إلى صفة يعاقب عليها شرعاً ، و اما الغبطة بأن يتمنى أن يزيد الله في رزق الآخرين و يزيد في رزقه ، و أن يرزق الله الآخرين ذرية اكثر و يرزقه ، وهكذا من دون تمني زوال نعمة الغير فإن هذا الأمر لا بأس به ، والأحسن و الأولى و الأفضل للإنسان المؤمن أن يعمل في هذه الحياة و يأتي للأمور من ابوابها الصحيحة ، فإن رزقه الله تعالى الخير فليحمد الله ، وإن لم يحصل على ما يريد ، فليواصل الدعاء ، لأن الله تعالى يحب أن يسمع دعاء عبده المؤمن ، ولا ييأس ، فإن الله تعالى أكرم الأكرمين ، و ليعلم بأنه قد يحرم الله عبده من شيء ليعوضه بشيء آخر ، وهكذا هي الحياة . شرح تكملة المسألة ۳۰ :
( و من أعظم المعاصي أيضاً : )
التي توجب المقت و الغضب و العذاب الالهي .
۴۳ – ( الرشوة على القضاء إعطاءً و أخذاً و إن كان القضاء بالحق )
فالرشوة : هي دفع مال أو شيء ما إلى القاضي من أجل كسب الدافع للرشوة القضية لصالحه ، و يحرم اعطاء الرشوة من قبل الراشي ( الدافع ) و يحرم على المرتشي ( الآخذ ) الأخذ ، حتى و لو كانت معالم القضية محسومة لصالح دافع الرشوة ، بحيث أنه يكسب القضية حتى مع عدم دفع شيئ للقاضي ، لأن الحق له فعلاً .
و قد مر علينا في المسألة ۲۱ من كتاب التقليد حكم الترافع إلى القاضي غير المجتهد و حكم المال المأخوذ بحكمه ، فراجع .
۴۴ – ( و القمار سواء كان بالآلات المُعدّة له كالشطرنج و النرد و الدوملة أم بغير ذلك و يحرم أخذ الرهن أيضاً )
إذا شرط في اللعب دفع مال للغالب من المغلوب ، فيحصل عليه الغالب من المغلوب لا من طرف ثالث غير مشترك معهما ، فهو حرام ، سواء كانت طريقة تحصيل هذا المال عن طريق اللعب بالشطرنج أو النرد أو الدوملة أو بغير ذلك ، و يحرم أخذ ذلك المال المتحصّل من هذه الطريقة .
فإذا أراد مجموعة من الشباب عمل دورة رياضية ، و اشترطوا على اللاعبين دفع مبالغ لشراء الجوائز للفرق الغالبة ، ولم تكن الجوائز من طرف ثالث غير اللاعبين ، فإن ذلك يعتبر مصداقاً من مصاديق و أفراد القمار ، وهو حرام .
و إذا كان مشجعو الفرق الرياضية تنازعوا على من يفوز من الفرق الرياضية فتراهنوا على ذلك و يكون نصيب ما جمعوه لصالح من ظهر لهم أن فريقه الذي شجعه هو الغالب ، فهو حرام و يكون قماراً .
۴۵ – ( و السحر فعله و تعليمه و تعلّمه و التكسّب به )
و المراد بالسحر هو تلك الطريقة التي توجب الوقوع في الوهم بالغلبة على البصر أو السمع أو غيرهما من الحواس ، إذ بسبب السحر تتأثر الحواس و يضطرب عملها و تكون تلك الحواس مأسورة لهذا السحر ، فيرى نفسه مثلاً أنه يستطيع المجامعة مع زوجته وهو لا يستطيع ، أو أنه يتصور الزوجين المتحابين أنهما لا زالا يحبان بعضهما البعض ولكن ما إن يجتمعا في البيت تنقلب الأمور .
وهذه الطريقة ورد النهي عنها مشدّداُ في الشريعة , لا يرضى بتعلميها للآخرين ولا تعلّمها و لا التكسّب بها و تحصيل المال عن طريقها .
۴۶ – ( و الغناء و استعمال الملاهي كالضرب على الدفوف و الطبول و النفخ في المزامير و الضرب على الأوتار على نحو تنبعث منه الموسيقى المناسبة لمجالس اللهو و اللعب . )
فالغناء بالطريقة التي تتناسب مع مجالس اهل اللهو و الفسوق و كذلك استخدام الملاهي فيه بالطريقة التي تتناسب مع مجالس اهل اللهو و الفسوق ، هي حرام ، و معرفة المناسب من غير المناسب لتلك المجالس يحدده العرف ، فما كان مشتملاً على الباطل من الكلام أو كان مشتملاً على كلام الحق و لكنه يؤدى بطريقة تتناسب مع مجالس الخمور و الزنا و العهر و الخلاعة و المجون ، سواء كان معه تلك الالات المتعارفة أو لم يكن ، فإنه يحرم حينئذ .
( و هناك محرمات غير ما تقدم ذُكر البعض منها في مواضع أخرى من هذه الرسالة ، كما ذُكر فيها بعض ما يتعلّق بعدد من المحرمات المتقدمة من موارد الاستثناء و غير ذلك ، عصمنا الله تعالى من الزلل و وفّقنا للعلم و العمل إنه حسبنا و نِعمَ الوكيل . )
و سيأتي في ثنايا الكتاب ذكر الكثير من المحرمات و المعاصي القولية و الفعلية غير ما ذكر ، أو سيأتي تفصيل أكثر في ثنايا الكتاب لما ذكر من المعاصي في كتاب التقليد ، فانتظر
مسألة ۳۱ : الاحتياط المذكور في مسائل هذه الرسالة على قسمين : واجب و مستحب ، و نعبّر عن الاحتياط الواجب بـ ( يجب على الأحوط أو الأحوط وجوباً أو لزوماً ، أو وجوبه مبني على الاحتياط أو لا يترك مقتضى الاحتياط فيه ) و نحو ذلك .
و نعبّر عن الاحتياط المستحب بـ ( الأحوط استحباباً ) أو ( الأحوط الأولى ) .
واللازم في موارد الاحتياط الواجب هو العمل بالاحتياط أو الرجوع إلى مجتهد آخر مع رعاية الأعلم فالأعلم على التفصيل المتقدم .
و أما في موارد الاحتياط المستحب فيجوز ترك الاحتياط و العمل وفق الفتوى المخالفة له .
********************************
( الاحتياط المذكور في مسائل هذه الرسالة على قسمين : واجب و مستحب ، و نعبّر عن الاحتياط الواجب بـ ( يجب على الأحوط أو الأحوط وجوباً أو لزوماً ، أو وجوبه مبني على الاحتياط أو لا يترك مقتضى الاحتياط فيه ) و نحو ذلك .
و نعبّر عن الاحتياط المستحب بـ ( الأحوط استحباباً ) أو ( الأحوط الأولى ) . )
السيد السيستاني يتحدث عن الاحتياطات الواقعية – بحسب الظاهر – و التي تنشأ من تردّد الفقيه في المسألة وعدم جزمه بها ، حيث يعبر بـ ( الأحوط وجوباً أو لزوماً أو يجب على الأحوط ، او لا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط ) ، و يمكن ان يكون منشأ و سبب الاحتياط لدى الفقيه عدة أمور ، ومنها :
۱- في أثناء مراجعته و بحثه لجملة – و ليس الكل – من الأدلة المعتبرة – من الكتاب والسنة المطهرة و غيرها مما قام الدليل اليقيني القطعي على اعتباره و كونه حجة – لاكتشاف حكم مسألة ما – أي مسألة – فإنه يكتشف أن تلك هذه الجملة من الأدلة التي قال بها الفقهاء و استندوا إليها أو اكتشفها هو في أثناء المراجعة و البحث ليست لها دلالة وافية يقينية لاثبات الحكم الالزامي سواء كان الحكم الالزامي هو الوجوب أو الحرمة ، و لم يستكمل الفحص والبحث في باقي الأدلة لضيق الوقت ، فإنه لا يفتي في المسألة بالحكم الالزامي و إنما يحتاط احتياطاً وجوبياً فيها ، فيترك المجال لمقلديه إما العمل بذلك الاحتياط أو الرجوع إلى فقيه آخر مع مراعاة الأعلم فالأعلم .
۲- إذا راجع و بحث في جميع الأدلة المطروحة سابقاً من قبل الفقهاء الآخرين أو المكتشفة من قبله هو على تلك المسألة الفلانية ، ولكنه لم تطمئن نفسه إلى أي من تلك الأدلة و الوجوه المطروحة و المحتملة ، فعندما يلاحظ شواهد وقرائن معينة على وجه معين فإنه يترجح لديه ذلك الوجه ، و لكنه لمّا أن يلاحظ الوجه الآخر يجد قرائن و شواهد تضعف الوجه الأول ، فيكون عنده في ذلك حالة من الاضطراب ولا يستطيع القول بعدم الحكم الالزامي من الوجوب أو الحرمة ، فيضطر إلى الا حتياط في المسألة .
۳- إذا راجع جميع مصادر المسألة و توصّل إلى النتيجة بحسب تلك المصادر التي اعتمدها من الافتاء بالوجوب أو الحرمة أو عدمهما ، فإنه لزيادة الشك عنده على المقدار المتعارف لم يطمئن بالنتيجة التي توصّل إليها ، فإنه يكتفي بالاحتياط . و اكتفاؤه بالاحتياط كافٍ في المقام ، لأنه لا يجب على الفقيه الافتاء العيني في كل مسألة مسالة ، إذ لا حرج على الفقيه في عدم ابداء الرأي و الفتوى من حيث اللزوم ( وجوب – حرمة ) أو غيرهما .
هذه بعض الأسباب التي تذكر في هذا المجال ، و قد استفدت هذه الوجوه – بصياغة منّي – مما ذكره السيد محمد رضا السيستاني في بحثه القيّم ( بحوث فقهية ) ص ۴۱۴ .
نعم قد تكون بعض الاحتياطات في الرسالة هي من قسم الفتاوى لا من قسم الاحتياط المصطلح الذي ذكرنا بعض أسباب اللجوء إليه من قبل الفقيه أعلاه قبل قليل ، و قد مر علينا في الصفحات السابقة مسألة ألزم فيها السيد السيستاني بالاحتياط وعدم جواز الرجوع إلى فقيه آخر في المسألة ، وهي مسألة ۹ : و مفادها : ما إذا علم المكلف بأن أحد المجتهدين أعلم من الآخر على نحو العم الاجمالي ، إذ أنه لم يترجح له أعلمية أحدهما – مع عدم وجود أعلم غيرهما – فإنه في حال العلم بالاختلاف بينهما في الفتاوى و عجز عن معرفة الأعلم منهما ، ففي مسائل العلم الاجمالي ، كما إذا افتى أحدهما بوجوب القصر و الآخر بوجوب التمام في مسألة واحدة ، فإنه يلزم على المكلف أن يحتاط بالجمع ، ولا يجوز له العدول إلى فقيه آخر في هذه المسألة . و كذلك يجب الاحتياط ( فتوى بالاحتياط ) في مسائل اشتباه الحجة باللاحجة في الأحكام الالزامية ، سواء كان في مسالة واحدة كما إذا افتى احدهما بوجوب الظهر و الآخر بوجوب الجمعة مع احتمال الوجوب التخييري ، فغنه يلزم على المكلف أن يحتاط في المسألة فيصلي الظهر و الجمعة ، ولا يجوز له الرجوع إلى غيرهما في هذه المسألة …. إلخ
و اما الاحتياطات الاستحبابية ، فتعني أن الفقيه قد توصل في بحوثه على المسألة الفلانية إلى عدم الالزام لا بالوجوب ولا بالحرمة ، و لكنه يحتاط احتياطاً استحبابياً في المسألة لوجود قرائن و شواهد ضعيفة تقتضي أن يقول بالاحتياط الاستحبابي .
مسألة ۳۲ : إن كثيراً من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن ، ولمّا لم تثبت عندنا فيتعيّن الاتيان بها برجاء المطلوبية ، وكذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبية ، ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أُنيب .
********************
( إن كثيراً من المستحبات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلة السنن ، ولمّا لم تثبت عندنا فيتعيّن الاتيان بها برجاء المطلوبية ، وكذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبية .. )
فحينما يقول الفقيه في الرسالة العملية أنه يستحب فعل كذا و كذا ، فتارة يثبت لدى الفقيه أن ذلك الأمر مستحب قطعاً كما في بعض الأغسال و بعض المور الواردة في الصلاة أو مقدماتها ، أو في بعض الأمور من العبادات و المعاملات ، من مثل استحباب الغسل في يوم الجمعة ، و من مثل استحباب زيارة الحسين عليه السلام ، ومن مثل استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله كلما ذكره الذاكرون ، و من مثل استحباب الزواج ، ومن مثل استحباب الوصية عندما لا يكون على الشخص واجبات يجب الايصاء بها ، و ما شابه ذلك .
و أخرى لم يثبت استحباب ذلك الأمر ، لضعف الرواية التي استند إليها من قال بالاستحباب من حيث سندها ، فإنه لا يفتي بالاستحباب ، لن الاستحباب حكم شرعي ، و إذا أراد اسناد الاستحباب إلى الشرع و يقول ( هذا مستحب ) فإنه لا بد من مستند قطعي يقنيني في المسألة ، و إلا كان ذلك من التقول على الله سبحانه و تعالى .
و لكن بما أن بعض الفقهاء استندوا إلى روايات صحيحة تسمى بروايات ( من بلغه ) ، و هي تنص على أن من سمع برواية أو قرأ رواية ( بلغته رواية ) تنص على أن الشيء الفلاني إذا فعلته فلك كذا و كذا من الثواب ، فإن الله سبحانه و تعالى يعطيك الثواب على ذلك الفعل إذا صدر منه ، حتى ولو كانت تلك الرواية لم تصدر عن رسول الله صلى الله عليه و آله أو أهل بيته عليهم السلام .
فقد استفاد الفقهاء من هذه الروايات الصحيحة أن العمل الذي نصت عليه الرواية الضعيفة يتحوّل إلى شيء مستحب ببركة تلك الروايات التي تسمى بروايات ( من بلغه ) و يصبح الضعيف من الرواية قوياً ثابتاً و يصح أن تسنده إلى الشرع فتقول ( هذا مستحب شرعاً ) ، و يسمون تلك الحالة التي استندوا فيها إلى اثبات الاستحباب للافعال التي نصت علهيا الروايات الضعيفة ببركة روايات من بلغه ( قاعدة التسامح في أدلة السنن ) .
و معنى ذلك أن الأدلة الضعيفة التي نصت على الأفعال المسنونة ( المستحبة ) فإننا ببركة روايات من بلغ نتسامح في القول بالاستحباب و أن الشرع لا يمانع من نسبة أن هذا الشيء مستحب لنفس الشرع ، إذ يستطيع أن يقول بأن هذا الفعل الفلاني الوارد في الرواية الضعيفة هو مستحب شرعاً رغم كون الرواية التي نصت على الفعل هي رواية لا يعلم صدورها عن الرسول و ألأئمة عليهم السلام .
و لكن بما أن السيد السيستاني و مجموعة من الفقهاء المعاصرين لم تثبت لديهم قاعدة التسامح في أدلة السنن ، و ذلك لأنه كما لا يجوز أن ننسب إلى الشرع حكم بالوجوب أو حكم بالحرمة من دون دليل ، كذلك لا يجوز أن تثبت الحكم الشرعي باستحباب شيء من دون دليل ، و لكن بما أنه توجد عندنا روايات من بلغه و هي روايات صحيحة ، فإن السيد السيستاني قال بأن روايات من بلغه لا نفهم منها ما فهم الفقهاء الآخرون القدامى من ثبوت قاعدة التسامح في أدلة السنن ، إذ هذا الفهم غير صحيح عند السيد السيستاني و الفقهاء المعاصرين ، لأن روايات من بلغ لا تثبت الاستحباب للفعل الذي ورد في الرواية الضعيفة ، و إنما روايات من بلغ تقول بأن الله سبحانه وتعالى يعطي الثواب على من عمل بما ورد في الرواية الضعيفة تفضلاً منه و رحمة – إذ هو أكرم الأكرمين – حتى و لو كانت تلك الرواية في الواقع و في علم الله أنها لم تصدر ، و يكون العمل بتلك الرواية حينئذ بنية ( رجاء المطلوبية ) أي أنه ياتي بالعمل راجياً أن يكون ذلك العمل ثابتاً في الواقع .
و كذلك الحال بالنسبة للمكروهات إذا كان الدليل الذي دل على الكراهة هو دليل ضعيف السند ، فإن المكلف يترك ذلك المكروه من باب رجاء ملطوبية الترك .
*******************
إلى هنا انتهينا من شرح مسائل التقليد من منهاج الصالحين .
و الحمد لله رب العالمين .
وصلّى الله على محمد و آله الطاهرين .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.